كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

وارد لأنّ القائل بناه على كون الخطاب لكفارهم ومثله يكفي نكتة للاقتصار على الإنذار، وفي الدرّ المصون إنه على حد قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل، الآية: 81] ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله عليه ومحل من نصب على الضمير المنصوب أو رفع على الفاعل المستتر للفصل بالمفعول. قوله: (وسائر من بلغه من الأسود والآحمر) قال الحريريّ في الدرّة العرب تقول في الكناية عن العرب والعجم الأسود والأحمر لأنّ الغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة. قالوا: والمراد بالحمرة هنا البياض ومن قال الأسود والأبيض فقد خالف الاستعمال، ومراد المصنف رحمه الله جميع الناس لأن العجم من عدا العرب وأمّا تخصيصط بفارس فعرف الاستعمال. توله: (او من الثقلين) يعني الإنس والجن سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض وحمولتها أو لغير ذلك كما سيأتي في محله وهذا بيان لمعنى النظم هنا لا ترديد في كون رسالته للثقلين لأنه أمر مقرّر. قوله: (وفيه دليل على أنّ أحكام القرآن تعم الموجودين الخ) أي في قوله ومن بلغ إذ المراد به من لم يكن في عصره منهم ومن غيرهم لعموم من غير الموجود فلا يرد أنه إذا احتمل اللفظ معاني كيف يبقى دليلا، وقيل دلالته مخصوصة ببعض الوجوه وهو شمول الخطاب الشرعيّ لغير الموجود بطريق التغليب أو القياس أو غير ذلك مما هو مبسوط في أصول الفقه، وكون من لم تبلغه غير مؤاخذ مبنيّ على مذهبه في القول بالمفهوم قيل ولا دلالة على ذلك بوجه من وجوه الدلالة لأنّ مفهومه انتفاء الإنذار بالقرآن عمن لم يبلغه وذلك ليس عين انتفاء المؤاخذة، وهو ظاهر ولا مستلزما له خصوصا عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين إلا أن يلاحظ قوله تعالى: {وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء، الآية: 15] الآية فلا يكون الدال عليه هذه الآية وفيه نظر ظاهر. قوله: (تقرير لهم مع إنكار واستبعاد) سبق أنّ التقرير بمعنى التثبيت أو الحمل على الإقرار، والإنكار يكون بمعنى التكذيب وأنه لم يفع وبمعنى أنه لا ينبغي وقوعه، والمراد هنا أنه تثبيت وتسجيل له وأنه مما لا يليق وفيه جمع بين معاني الاستفهام وهي معان مجازية لا يجمع بينها وان في ذلك التجوّز خفاء حتى قيل إنه لم يحم أحد حوله وأنه من أيّ أنواعه، وقد حققه السيد قدس سره في محله إلا أن يقال إنه يستعمل في أحد هذه المعاني وغيره مأخوذ من السياق فليتأمّل وجوز في هذه الجملة كونها مستأنفة واندراجها في المقول وأخرى صفة لآلهة قال أبو حيان رحمه الله: وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة كقوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} [سورة طه، الآية: 8 ا] ولله الأسماء الحسنى ولما كانت الآلهة حجارة وخشباً أجريت هذا المجرى تحقيراً لها وقوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} أي بالذي تشهدون به أو شهادتكم بيان لمتعلقه المحذوف بقرينة الكلام. قوله: (بل أشهد أن لا إله إلا هو) الإضراب والشهادة مأخوذان من السياق أو أنه أمر بذكر. على وجه الشهادة فلا وجه لما قيل إنه لا معنى لاعتبار الشهادة فيه، وقيل إنه إذا كان في حيز إنما موصوف مؤخر فالمقصود قصره على تلك الصفة كما إذا قلت إنما زيد رجل عالم فماذا قصر على الوحدانية بمعنى التفرد في الألوهية أفاد ثنزهه عن الشريك وأنه لا إله إلا هو كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل عليه نفي الألوهية مستفاد من توصيف الإله بالواحد لا من كلمة القصة لأنها لا تفيد إلا قصره على الألوهية دون العكس وما كافة لا موصولة لمخالفته للظاهر والرسم، وما في تشركون موصولة عبارة عن الأصنام، وتحتمل المصدرية. قرله: (يعرفون رسول الله) التفات وكون حليته مذكورة في الكتب الإلهية مصرح به في القرآن في مواضع وأهل الكتاب ينكرونه عناداً ويؤولونه ويحرّفون بعضه، وهم الآن على ذلك من غير شبهة فلا وجه لما قيل إنه لا يخلو أن يكون ما يتعلق بتفاصيل حليته باقياً وقت نزول الآية أو لا بل محرّفا مغيراً، والأوّل باطل لأنّ إخفاء ما شاع في الآفاق محال وكذا الثاني لأنهم لم يكونوا حينئذ عارفين حليته كما يعرفون حلية أبنائهم فالوجه أن تحمل المعرفة على ما هو بالنظر والاستدلال. انتهى وتيل عليه إنّ الإخفاء مصرج به في القرآن كقوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} ! سورة الأنعام، الآية: 91] واخفاؤها ليس باخفاء النصوص بل بفولهم إنه رجل آخر سيخرج وهو معنى قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا

الصفحة 36