كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

مطلقا بل أوّل أيام الهجرة، ودخول المدينة المنوّرة لأنه بنى قبل مسجد المدينة وقوله: (وفيه رجال يحبون أن يتطهروا) ولأنه أوفق بالمقام لأنه بقباء كمسجد الضرار، والقول الثاني إن المراد به مسجدهءشر بالمدينة لما روي فيه من الأحاديث الصحيحة، وحديث أبي سعيد (1 (رضي الله عنه الذي ذكره المصنف رحمه الله مخرّج في مسلم، وقد جمع الشريف السهروردي رحمه الله بين الأحاديث، وقال: كل منهما مراد لأنّ كلا منهما أسس على التقوى من أوّل يوم تأسيسه، والسرّ في إجابته صلى الله عليه وسلم السؤال عن ذلك مما في إلحديث دفع ما يوهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتنويه بمزية هذا عن ذلك، وهو غريب هنا وقد سبقه إليه السهيلي في الروض الأنف، واللام في قوله لمسجد لام ابتداء أو قسم وعلى قيل إنها بمعنى مع والأبلغ إبقاؤها على ظاهرها وجعل التقوى أساسا له. قوله: (من أوّل يوم من أيام وجوده) أي هو أوّل يوم من أيام وجود بنائه وتأسيسه، وإنما قيد به لظهور أنه لم يؤسس على التقوى من أوّل يوم من مطلق الأيام، والمعنى أنّ تأسيسه على التقوى كان مبتدأ من أوّل يوم من أيام وجوده لا حدثا بعده، قال السهيلي: نور الله مرقده في الآية من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع عمر رضي الله عنه حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والحين الذي أمن فيه النبيّ ع! ي! وبنيت المساجد وعبد الله كما يحب فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أن ذلك اليوم هو أوّل أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن فإن كان الصحابة رضوان الله عليهم أخذوه من هذه الآية فهو الظن بهم لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله، وأفهمهم بما في القرآن من الإشارات، وإن كان ذلك على رأي واجتهاد فقد علمه الله، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أؤل يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، وليس ههنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال فتديره ففيه معتبر لمن اذكر، وعلم لمن رأى بعين فؤإد واستبصر. قوله:) ومن يعم الزمان والمكان (هذا مذهب الكوفيين وأنها للابتداء مطلقاً ولهم أدلة من القرآن كهذه الآية، وقوله لته الأمر من قبل ومن بعد ومن كلام العرب كما فصل في النحو منع البصريون دخولها على الزمان، وخصوه بمذ ومنذ
وتأوّلوا الآية بأنها على حذف مضاف أي من تأسيس أوّل يوم وقدروا مثله فيما ورد من كلامهم، وقال أبو البقاء: أنه ضعيف لأنّ التأسيس المقدر ليس بمكان حتى يكون لابتداء الغاية وسبقه إليه الزجاج (قلت) إنما فروا من كونها لابتداء الغاية في الزمان وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان، وقال ابن عطية: يحسن عندي أن يستغني عن التقدير وأن من جرّب أوّل لأنه بمعنى البداءة كأنه قال: من مبتدأ الأيام وفيه نظر، وقيل إنّ من هنا تحتملى الظرفية أي في أوّل يوم فلا يكون فيها شاهد لهم وسبقه إليه بعض المحققين حيث قال لا أرى في الآية ونظائرها معنى الابتداء إذ المقصود من الابتداء أن يكون الفعل شيئا ممتداً كالسير والمشي ومجرور من منه الابتدائية نحو سرت من البصرة أو يكون أصلا لشيء ممتد نحو خرجت من الدار إذ الخروج ليس ممتد أو ليس التأسيس ممتدا، ولا أصلاً لممتدّ بل هما حدثان واقعان فيما بعد من وهذا معنى في ومن في الظروف كثيراً ما يقع بمعنى في وللنظر في هذا كله مجال. قوله: (لمن إلى آخر البيت) وهو:
لمن الدياربقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر
وهو مطلع قصيد لزهير بن أبي سلمى يمدح بها هرم بن سنان وبعده:
لعب الزمان بها وغيرها بعدي سوا في المورق القطر
فغدا بمندفع النجائب من صفوا أولات الضال والسدر
دع ذا وعد القول في هرم خيرالبداة وسيد الحضر الخ
والقنة بضم القاف وتشديد النون أعلى الجبل والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم والراء المهملة بلاد ثمود

الصفحة 363