كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4 ا] وليس للإخفاء ذكر في كلام المصنف رحمه الله تعالى وهو كلام حسن. قوله: (لتضييعهم الخ (قد مرّ قريبا تفسيره واعرابه إلا أن الاتباع لا
يتأتى هنا لأن المصنف رحمه الله تعالى فسره بأعم مما قبله فإن خص جاز، وتقديم به للحصر وإذا انحصر السبب في شيء لزم من فواته فواته. قوله: (ومن أظلم الخ) إنكار لاظلميتهم، وهو وان لم يدل على إنكار المساواة وضعا يدل عليه استعمالأ فإذا قلت لا أفضل في البلد من زيد معناه أنه أفضل من الكل بحسب العرف إذ يستفاد منه نفي المساواة، كذا في شرح المقاصد في بحث أفضلية الصحابة قال والسرّ فيه أنّ الغالب فيما بين شخصين الأفضلية والمفضولية لا التساوي فلذا دل على نفي الأفضلية لا المساواة انتهى. (قلت) بل هي وضعية لأنّ غير الأفضل إمّا مساو أو أنقص فاستعمل في أحد فرديه قال ابن الصائغ: في مسألة الكحل ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل وان كان نصا في نفي الزيادة وهي تصدق بالزيادة والنقصحان فالمراد الأخير، وهو من قصر الشيء على بعض أفراده كالدابة انتهى. وقيل الاستفهام هنا للاستعظام الادّعائي وهو لا ينافي الإنكار وبقوله الادعائيّ سقط أن قاتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أظلم فتأمّل. قوله: (وإنما ذكر أو وهم الخ) عدل عن قول الكشاف جمعوا بين أمرين متناقضين تكذبوا على الله بما لا حاجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح لما في التناقض من الخفاء كما بينه شرحه، فالنكتة في العطف بأو عنده التنافي بينهما وعند المصنف كون أحدهما كافياً في المطلوب والظاهر أنّ هدّا لا ينافي كون أو بمعنى الواو لأنه نكتة للعدول عن الظاهر فتأمّل. قوله: (فضلاَ ممن لا أحد أظلم منه) يعني أن ذكر عدم فلاح الظالمين يدل على أنّ الأظلم المذكور قبله لا يفلح بالطريق الأولى مع أنه أكمل إفراده فيدخل فيه دخولاً أوليا، وفضلا معناه والبحث فيه معروف، ومن أراد تفصيله فلينظر شرح المفتاح وكلام الثريف في شرح ديباجة الكشاف. قوله: (منصوب بمضمر الخ) في إعرابه وجوه منها أنه منصوب بمضمر يقدر مؤخراً وتقديره كأن كيت وكيت فترك ليبقى على الإيهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل وجوّز نصب باذكر مقدّراً وغيره مما فصل في الدرّ المصون. قوله: (أين شركاؤهم الخ) الإضافة فيه لأدنى ملابسة كما أشار إليه بقوله: شركاء لله لأنه لا شركة بينهم وإنما سموهم شركاء فلهذه الملابسة أضيفوا إليهم، ولما كان قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سورة الصاقات، الآية: 22] وغيره يقتضي حضووهم معهم في المحشر، وأبن يسئل بها عن غير الحاضر أجاب عنه بأنهم غيبوا عنهم حال السؤال اً وأنهم بمنزلة الغيب لعدم الفائدة
أو هو بتقدير مضاف أي أين نفعهم وجدوأهم، وفي الكشاف إنما يقال لهم ذلك على جهة التوبيخ ويجوز أن يشاهدوهم إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التؤبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم وحسرتهم وهي ثلاثة وجوه، الأوّل أن يقال لهم ذلك على سبيل التوبيخ كقوله: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} [سورة الأنعام، الآية: 94، والثاني أنه قيل لهم وهم يشاهدونهم تعييرا كما تقول لمن جعل أحدا ظهيره يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد فجعلته لعدم نفعه وإن كان حاضراً كالغائب، أو يقال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل:
كما أبرقت قوماً عطاشاً غمامة فلمارأوها أقشعت وتجلت
وهو في الثاني مجاز وفي غيره حقيقة وقيل إنّ قوله ويجوز وأن يحال وجهان في تقرير التوبيخ لا وجهان مقابلان للتوبيخ لتصير الأوجه ثلاثة أي إنما قيل للمشركين أين شركاؤكم للتوبيخ والتقريع ثم إمّا أن يكون هذا التوبيخ مع حضور الشركاء ومشاهدة المشركين إياهم، وأمّا أن يكون في غيبتهم وايراد هذين الاحتمالين لئلا يسبق الوهم إلى أنّ ذلك القول لا يصح إلا في غيبة الشركاء وإنما يكون كدّلك لو كان المقصود منه السؤال هذا محصل كلام الشراح، والكل متفقون على أنّ السؤال لم يقصد به ظاهره لكن اختلفوا في الوجوه هل هي ثلاثة للتغاير إلاعتباري بينها أو وجهان لبيان التوبيخ والخلاف

الصفحة 37