كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

لاحتمال أنه أنجز وعده وآمن وهذه القراءة لا تنافي الأخرى لأنه وعده الإيمان فوعده أن يدعو له بالتوفيق لذلك، وقوله بأن مات الخ فمعنى عدوّ لله مستمرّ على عداوته والا فهو أوّلاً عدوّا لله لكفره والتبري قطع الوصلة وفسرها بقطع الاستغفار لمناسبة السياق له. قوله: (لكثير التأوّه وهو كناية عن الخ) أوّاه فعال للمبالغة من التأوّه، وقياس فعله أن يكون ثلاثيا لأنّ أمثلة المبالغة إنما يطرد أخذها منه، وحكى قطرب رحمه الله له فعلا ثلاثيا فقال: يقال آه يؤه كقام يقوم أوها وأنكره عليه غيره، وقال: لا يقال إلا أوه وتأوّه قال المنقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرجل الحزين
وقال الزمخشري: أوّاه فعال من أوّه كلأل من اللؤلؤ وتركه المصنف رحمه الله تعالى لما
أورد عليه والتأوّه قول آه، ونحوه مما يقوله الحزين فلذا كني به عن الحزن ورقة القلب، وقوله: (والجملة) أي إن إبراهيم الخ والشكاسة الشدة وسوء الخلق. قوله: (ليسميهم ضلالأ الخ) ضلال بالضم والتشديد كجهال جمع ضال وإنما فسره به وان كان الإضلال خلق الضلال عندنا لظهوره، وأما تفسير الزمخشريّ فبناء على مذهبه لأنه قبل البيان والتكليف بالنهي عن الاستغفار لا يكونون مؤاخذين وضالين، فالمنايسب لما قبله أن يكون المعنى لا يستقيم من لطف الباري أن يذم المؤمنين، ويؤاخذهم وشمميهم ضلالأ حتى يبين لهم ما يتقون، وهو أنّ الاستغفار لمن مات مشركا غير جائز فإذا بين لهم ذلك ولم يتركوا الاستغفار فحينئذ يسميهم ضلالاً، ويذمّهم وليس هذا متابعة للزمخشرفي على الاعتزال كما بينه الطيبي رحمه الله. قوله: (حظر ما يجب اتقاؤه) حظر بالحاء المهملة والظاء المعجمة بمعنى منع، وهو إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ المعنى المراد من بيان المحظور من حيث هو محظور بيان حظره والمراد نهيهم عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمه هو لاستغفرنّ لك ما لم أنه وقوله: (في القبلة) أي ماتوا قبل تحويل القبلة وتحريم الخمر. قوله: (وفي الجملة دليل الخ) أي في جملة ما ذكر أو بالجملة وعلى كل حال، والغافل من لم يسمع النص، والدليل السمعي وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة في قولهم إنه مخصوص بما لم يعلم بالعقل كما في الكشاف بناء على القبح والحسن العقلي، وقوله: (في الحالين) أي ال البيان وعدمه، وبشراشرهم بجملتهم وكليتهم جمع شرشرة بشيم معجمة وراء مهملة، وفيما يأتون ويذرون بمعنى ما يأتونه ويذرونه وسوا أي سوى الله، وقوله: (لمن استغفر) عطف على الرسول بزيادة التصريح باللام إذ هو في معنى بيان لعذر الرسول أو لعذر من استغفر أو هو عطف على بيان بتقدير بيان لمن استغفر، وقوله وجوب التبري عنهم رأسا قيل فيه نظر لأن المذكور فيه التبري عمن تبين أنه من أصحاب الجحيم. قوله: (من أذن المنافقين في التخلف الخ) يعني أنّ التوبة إمّا على ظاهرها فتقتضي ذنبا ولا مانع منه في حق
غيره صلى الله عليه وسلم فلذا لم يتعرض له، وفي حقه صلى الله عليه وسلم المراد به ما ارتكبه من الأذن للمنافقين، وخلاف الأولى كقوله: {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لهم أو هي مجاز عن البراءة من الذنب، والصون عنه فيكون استعارة لشبه البراءة عنه بعفوه في أنه لا مؤاخذة في كل منهما كما في قوله: (لينفر لك الله) فإنه بمعنى ليصونك عن ذلك، وقيل: المراد بالذنب على هذا ما يكون نقصا بالنسبة إلى الشخص أعمّ من ترك الأولى وفيه نظر، وعلقة بضم فسكون ما يتعلق به منه. قوله: (وقيل هو بعث على التوبة والمعنى ما من أحد الخ (أي حض وتحريض للناس كلهم على التوبة لأنّ كل أحد محتاج إليها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع عصمتهم لترقيهم في المقامات فكلما وصلوا إلى مرتبة كان الوصول إليها بمنزل التوبة عما دونها فتكون التوبة استغفاره للصعود إلى المقامات وانتقالاً من العليّ إلى الأعلى في الخواص، وفي العوام من حضيض الذنوب إلى أوج التوبة المقربة لهم من العلي الأعلى والتحريض مأخوذ من إسناد التوبة إلى هؤلاء ووصفهم بها فإذا كانوا محتاجين إليها فما بالك بغيرهم فمغايرته لما قبله، واختصاصه بالبعث المذكور ظاهر كما إذا قلت خدم الوزير السلطان مخاطباً للعوام، فإنه يدل على تحريضهم على خدمته فاندفع ما قيل إنّ البعث والإظهار لا يتوقفان على هذا المعنى

الصفحة 370