كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

كاد ضميرا يعود على جمع المهاجرين والأنصار أي من بعد ما كاد الجمع وقدره ابن عطية رحمه الله ما كاد القوم وضعف بأنه أضمر في كاد ضمير لا يعود إلا على متوهم وبأن خبر كاد يكون قد رفع سببياً، وقد تقدم أنه لا يرفع إلا ضميراً عائداً على اسمها، وذهب أبو حيان كما علمت إلى أن كاد زائدة، ومعناها مراد ككان ولا عمل لها في اسم ولا خبر ليخلص من الأشكال، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه من بعدما زاغت بإسقاط كاد وقد ذهب الكوفيون إلى زبادتها في نحو لم يكد مع إنها عاملة معمولة فهذا أولى، وقرأ أبي رضي الله عنه من بعد ما كادت وقرأ الأعمش يزيغ بضم الياء. قوله: (وقرىء من بعد ما زاغت) هذا يستأنس به لما قيل إنها زائدة وجعل الضمير على هذه القراءة للمتخلفين سواء أكانوا من المنافقين أم لا كأبي لبابة رضي الله عنه لوصفهم بالزيغ المحتمل لكونه عن الإيمان أو الإتباع، وأما على المشهورة فلم يوصفوا بالزيغ بل بالقرب منه فيشمل المتخلفين وغيرهم كما مرّ. قوله: (تكرير للتثيد وتنبيه الخ) فالضمير للمهاجرين والأنصار والنبي عتي! ، وقد تقدم أنه تاب عليهم فيكون تأكيداً له والتأكيد يجوز عطفه بثم كما صرح به النحاة وان كان كلام أهل المعاني يخالفه ظاهراً وسيأتي تحقيقه، والتنبيه على أنّ توبته في مقابلة ما قاسوه من الشدائد، وإنما جعله تنبيهاً لأنّ ما قبله يعيده إذ التعليق بالموصول يفيد علية الصفة. قوله: (أو المراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم) الكيدودة مصدر كاد كالكينونة، والبينونة أي تاب عليهم لكيدودتهم، وقربهم من الزيغ لأنه جرم محتاج إليهم فيكون مخصوصا ببعض من مضى وهم الفريق، والضمير راجع إليه حينئذ فلا يكون تكريراً لما سبق، ولكيدودتهم متعلق بتاب واللام للتعليل أو الاختصاص وعلى الثلاثة يحتمل عطفه على قوله على النبي وقوله عليهم وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقيل إن تاب مقدر هنا لتغاير توبتهم للتوبة السابقة وفيه نظر. قوله: (تخلفوا عن النزو الخ) أشار بتفسيره باللازم إلى أن المخلف كسلهم أو الشيطان، أو المراد خلف أمرهم أي أخر وهم المرجؤون فالإسناد إليهم إما مجاز أو بتقدير مضاف، وهو منقول عن السلف كما مرّ بتفصيله في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 106] ومرارة بضم الميم وراءين مهملتين ابن
الربغ العامري كما في مسلم وغيره، أنكره المحدثون وقالوا صوابه العمري نسبة لعمرو بن عوف، قاله البخاري وابن عبد البز ولا عبرة بقول القاضي عياض لا أعرف إلا العامري. قوله: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (يجوز إذا أن تكون شرطية جوابها مقدر، وأن تكون ظرفية غا! ة لما قبلها، وقوله برحبها بضم الراء إشارة إلى أن ما مصدرية والباء للملابسة، وجعله مثلا لأنّ المكان الضيق لا يسع ولا يكون مقرا لأحد فالمراد مجازاً أنهم لم يقروا في الدنيا مع سعتهاكماقيل:
كأن بلاد الله وهي فسيحة على الخائف المطلوب كفة حابل
لاعراض الناس عنهم عدم مجالستهم ومحادثتهم لأمر النبيّ-لمج! هـ لهم بذلك. قوله:
(قلوجمم من فرط الوحشة الخ) يعني ليس الأنفس هنا بمعنى الذوأت بل بمعنى القلوب مجازاً لأنّ ضام الذوات بها كما قيل المرء بأصغريه إذ الضيق، والسعة يوصف به القلوب دون الذواش، ومعنى ضيقها شدة غمها وحزنها كأنها لا تسع السرور لضيقها فهو استعارة في الفيق، مع التجوّز ويه ترق من ضيق الأرض! إلى ضيقهم في أنفسهم، وهو في غاية البلاغة وفسر الظن بالعلم لأنه المناسب لهم، وقوله: (من سخطه) بيان للمراد لأن الالتجاء فرار من سخطه، وذلك بالتوبة وطلب المغفرة. قوله: (بالتوفيق للتوبة الخ الما كان توبة الله بمعنى قبولى التوبة وقبول التوبة يقتضي تقدمها لم يفسره به ليلتئم مع قوله ليتوبوا والتوفيق للتوبة يتقدم عليها وعلة لها، فقوله بالتوفيق الخ تفسير للتوبة، ولو قال: وفقهم كان أظهر وقوله أو أنزل الخ جواب آخر فالمرإد به أنزل قبول توبتهم في القرآن وأعلمهم بها ليعدهم المؤمنون في جملة التائبين أو هو بمعناه المشهور، وقوله: (ليتوبوا) بمعنى ليستقيموا على التوبة ويستمرّوا عليها أو التوبة الثلأنية ليست هي القبولة، والمعنى قبل توبتهم ليتوبوا في المستقبل إذا صدرت منهم هفوة ولا

الصفحة 372