كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

يقنطوا من كرمه، وهذا هو المناسب لما ذكره في تفسير الثواب، في قوله ولو عاد الخ، وقد خبط من أدخله في كلام المصنف رحمه الله. قوله: (مع الصادقين الخ) الخطاب إن كان لمن آمزء من أهل الكتاب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالمراد بالصادقين الذين
صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الطاعة، وان كان عامّا فيراد الذين صدقوا في الدين نية وقولاً وعملاَ وان كان لمن تخلف وربط نفسه بالسواري فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم والى هذه الوجوه الثلاثة أشار المصنف رحمه الله وأيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين وعهودهم عطف تفسير عليه، وقيل إنه جعل الخطاب عاما في الوجوه كلها، ولم يلتفت إلى ما مرّ من التفصيل الواقع في الكشاف لعدم القرينة عليه والوثوق بروايته فتأمّل. قوله: (ما كان لأهل المدينة) قيل خص أهل المدينة لقربهم منه، وعلمهم بخروجه وأنه خاص بالنبيئ صلى الله عليه وسلم لا بغيره من الخلفاء لاًنّ النفير ليس بلازم ما لم يلم العدوّ، ولم يمكن دفعه بدونه وقد سبق ما نقلناه عن ابن بطال رحمه الله من أنه كان واجبا عليهم لأنهم بايعوا عليه فتذكره، ووقع في نسخة بعد قوله عن رسول عخيرو عن حكمه فقبل قدره ليدخل ما عداه. قوله: (عبر عته بصبنة النفي للمبالغة) هو نهي بليغ لأنّ معناه لا ينبغي ولا يستقيم، ولا يصح وهو أبلغ من صريح النهي، واذ أنهوا عن أن يتخلفوا عته مجخ! وإن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه وجب عليهم أن يصحبوه! في البأساء والضرّاء وأن يلقوا أنفسهم ما يلقاه من الثدائد فيكونون مأمورين بذلك لأنّ النهي عن الشيء أمر بضده، والمعنى ما صح لهم ولا استقام أن يترفعوا بأنفسهم عن نفسه بأن يكرهوا الشدائد لأنفسهم ولا يكرهوها له فإنه مستهجن جدا بل عليهم أن يعكسوا القضية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى ما يشير إلى ذلك وهو قوله ويكابدوا أي يقاسوا. قوله تعالى: {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} عداه بالباء وعن وقال الواحدي رحمه الله يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت، وفي النهاية رغبت بفلان عن هذا الأمر أي كرهته له ففيه مبالغة أيضا فتأمّله. قوله: (روي أن أبا خيثمة رضي الله عنه بلغ بستانه الخ) (1 (أبو خيثمة من الأنصار أحد بني سالم بن الخزرج شهد أحدا وبقي اإلى أيام يزيد بن معاوية، وهذا الحديث رواه البيهقيّ من طريق أبي إسحاق، وقوله: (بلغ بستانه) أي أتاه ودخله بعد ما ذهب النبيّ ع! برو إلى غزوة تبوك، وقوله: (فرشت له) بفتح الفاء والراء وتشديد الثين من رش الماء على التراب إذا نثره عليه ليسكن ويبرد ويجوز أن يكون من الفرس وقوله: (بسطت حينئذ) تفسير له، والرطب معروف (وظل ظليل) تأكيد له من لفظه كليل أليل ومعنى يافع أي زاه نضيج حسن، والضج بفتح الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة ضوء
الشمس وحرها بلا ساتر منها، وقوله: (ظل ظليل الخ) بتقدير هذا، أو يكون أو إنهنا والحال أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكر من مقاساة حرّ الشمس وبروزه للرّياح فهذا ليس بخير لإيثار النعيم والراحة على مقاساة ما يقاسي النيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون رضي الله عنهم، (ورحل ناقتة) كمنع أو هو مشدد وضع عليها رحلها وهو ما يركب عليه كالسرج، وقوله ومرّ كالريح أي مرّ يسرع سيره وهو مثل في السرعة، ومد الطرف عبارة عن النظر وأصل الطرف تحريك الجفن ويطلق على العين، وقوله فإذا هي الفجائية ويزهاه السراب أي بالزاي المعجمة أي يرفع شخصه للناظر، والسراب ما يرى من شعشعة الشمس في وسط النهار كالآل. قوله: (كن أبا خيثمة) قال السهيلي رحمه الله في الروض الأنف في الحديث كن أبا ذر وكن أبا خيثمة لفظه لفظا لأمر ومعناه الدعاء كما تقول أسلم أي سلمك الله انتهى، وكذا قال غيره من المتقدمين كالفارسيّ رحمه الله وذكره المطرزي في قول الحريري كن أبا زيد وفي شعر ابن هلال:
ومعذرقال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكأنها
ولم يزيدوا في بيانه على هذا وهو تركيب بديع غريب، ومعناه مساقه الله إلينا وجعله إيا.
ليكون هو القادم علينا، فاقيم فيه العلة مقام المعلول في الجملة الدعائية الإنشائية على حد قوله في الحديث: " أبلي وأخلقي " (1)

الصفحة 373