كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

أي عمرك الله ومتعك بلباسك لتبلي وتخلق، وقولهم أسلم أي سلمك الله لتسلم، ثم لما أقيم مقامه أبقى مسندا إلى فاعله وان كان المطلوب منه هو الله، وهو قريب من قولهم لا أرينك ههنا أي لا تجلس حتى أراك، وهو تمثيل أو كناية، وفي شرح مسلم للنووي رحمه الله قال ثعلب كن زيدا أي أنت زيد وقال عياض رحمه الله: الأشبه أن كن لتحقيق الوجود أي ليوجد هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة، وهو الصواب وهو معنى قوله في البحر اللهمّ اجعله أبا خيثمة، واسمه عبد الله بن خيثمة وقيل مالك وليس في الصحابة رضوان الله عليهم من يكنى أبا خيثمة إلا هذا وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي انتهى، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم طلب من الله وترجى أن يكون هو.
قوله: (وفي لا يرغبوا يجوز النصب والجزم) النصب بعطفه على يتخلفوا المنصوب بأن واعادة لا لتذكير النفي، وتأكيده وهو نفي في معنى النهي البليغ والجزم بجعل لا ناهية فهو نهي صريح، وفي الكشاف روي أنّ ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به صلى الله عليه وسلم كأبي ذر وأبي خيثمة رضي الله عنهما، ثم قال: ومنهم من بقي ولم
يلحق به صلى الله عليه وسلم، ومنهم الثلاثة قال كعب رضي الله عنه لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه فردّ علي كالمغضب بعد ما ذكرني، وقال: ليت شعري ما خلف كعباً فقيل له يا رسول الله ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله (1 (ما أعلم، إلا فضلا واسلاما ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة فتنكر لنا الناس، ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد فلما مضت أربعون ليلة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع أبشر يا كعب بن مالك فحررت ساجدا، وكنت كما وصفني ربي سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} وتتابعت البشارة فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جال! في المسجد وحوله المسلمون فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني، وقال: لتهنك توبة الله عليك فلن أنساها لطلحة، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر: " أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا الآية) 2 (، قال النحرير رحمه الله في شرحه هكذا وقع في الكتاب وقديماً كان يختلج في صدري أنه لا يحسن في الانتظام أن يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حقه ما قال فيقول معاذ الله، وهو تكذيب له فلا يليق به ثم يردّ على القائل كالمغضب، وينهي عن مكالمته حتى تبين لي من مطالعة الوسيط، وجامع الأصول أنه تصحيف وتحريف والصواب فقال معاذ والله بواو القسم يعني معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صرّج بما ذكر مقسماً، وهذا مما لم يتنبه له أحد من الشراح والعجب العجاب من الفاضل الطيبي طيب الله ثراه مع غاية اطلاعه على كتب الحديث والتاريخ كيف لم يتنبه لهذا (قلت الا عجب ولا عجاب، ولا خطأ ولا صواب فإنّ القصة والحديث كما ذكر ولو نظر إلى جلالة المصنف وكثرة اطلاعه وطبق كلامه على الرواية المأثورة المشهورة وقرأ عبارته هكذا فقال معاذ آلله بتنوين معاذ ومد همزة الله فإنه كما يقال في القسم، والله يقال الله بالمد بمعناه قياسا مطرداً مشهورأ في الاستعمال على أنه رواه بالمعنى أو ظفر فيه برواية هكذا وهو كاصما أفتخر بواو ونحن نفتخر بمدة إن عليّ إلا الأصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، وأنا أعجب أيضاً ممن لم يأت بشيء هنا ثم تبجح، وافتخر فقال بعد ما ساق كلامه انظر إلى التبجح بهذه الجزئية التي مآلها إلى العثور على واو سقطت من الناسخ، ونقل ما ذكره من الوسيط وجامع الأصول مع أنه في الصحيحين فكيف بكتابنا هذا الذي حرّرنا فيه كل صشكلة وحللنا كل معضلة، وهذبنا الأحاديث وألفاظها ونقحنا تخريجها، وأتينا فيه بالعجب العجاب مما ضرب بينه وبين غيرنا الحجاب فلله درّ من
قل لمن لايرى المعاصرشيئا ويرى للأوائل التقديما
إق ذاك القديم كان جديداً وسيبقى هذا الجديد قديما
وإنما نقلنا هذا مع طوله لتعلم أنه ليس كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة. قوله:
(إشارة إلى ما دلّ عليه

الصفحة 374