كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

تحضيضية لا امتناعية وهي مع الماضي تفيد التوبيخ على ترك الفعل، ومع المضارع تفيد طلبه والأمر به لكن اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه، قد يفيد الأمر به في المستقبل، ولذا قيل إنّ الآية تدل على وجوب طلب العلم لا لما قيل إنّ التوبيخ على الترك يقتضي الوجوب، وكون الفرقة كثيرة والطائفة قليلة في الآية مأخوذ من السياق، ومن التبعيضية لأنّ البعض في الغالب أقل من الباقي فلا يرد ما قيل إن الفرقة، والطائفة بمعنى في اللغة فلا يدلّ النظم على ما ذكر، وادعاء الفرق ودلالة النظم عليه وأنّ أهل اللغة لا يبالون بالتعريف بالأعم يحتاج إلى نقل. قوله: (ليتكلفوا الفقاهة فيه الخ) إشارة إلى أنّ صيغة التفعل للتكلف، وليس المراد به معناه المتبادر بل مقاساة الثدة في طلبه لصعوبته، وأنه لا يحصل بدون جد وجهد فقوله ويتجشموا أي يرتكبوها عطف تفسير لما قبله. قوله: (وليجعلوا غاية سعيهم الخ الما كان الظاهر ليتفقهرا في الدين، وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون، وقد وضع موضع التعليم الإنذار وموضع يفقهون يحذرون آذن بالغرض! منه وهو اكتساب خشية الله، والحذر من بأسه قال الغزالي رحمه الله: كان اسم الفقه في العصر الأوّل اسم لعلم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدة الأعمال والإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب ويدل عليه
هذه الآية، وإنما عبر بالغاية لأنّ علة النفر التفقه لكن التفقه لما كانت علته الإنذار كان علة لعلته فهو غاية له إذ علة العلة علة، وهي علة غائية لأنها إنما تحصل بعد ذلك. قوله: (وتخصيصه بالذكر الخ) يعني المقصود منه الإرشاد الشامل لتعليم السنن، والآداب والواجبات والمباحات ولا شك أن الإنذار أخص منه، فما قيل من إنهما متلازمان، وذكر أحدهما مغن عن الآخر غفلة أو تغافل وكذا ما قيل إن غايته تكميل النفس علماً وعملاً فهو مع دخوله في قوله ليتفقهوا إنما سكت عنه لأنه معلوم بالطريق الأولى مع أنه صرّج به في قوله يستقيم، ويقيم ودلالته على فرضيته بالأمر، وأنه فرض كفاية حيث أمر به طائفة منهم لا على التعيين والتذكير الوعظ. قوله: (وأنه ينبني أن يكون غر ضالمتعلم الخ) قيل بل يجب، وهذا لم يدر أن ينبغي تستعمل للوجوب، والترفع طلب الرفعة والعلو والتبسط السعة والبسطة في الجاه والرزق. قوله: (إرادة أن يحذروا) يعني لعل تعليل للإنذار فالترجي كناية عن إرادتهم لأنّ المترجي مراد، والترجي من الله قيل إنه مجاز عن الطلب، وقيل ظاهره أنّ الإرادة من المنذرين على أن لعل متعلق بقوله لينذروا قومهم، وحي! عذ لا يبقى في الآية دليل على حجية خبر الواحد لابتنائها على أنّ الله تعالى أوجب الحذر بقول الطائفة وسياتي ما يدفعه. قوله: (واستدل به على أن أخبار الآحاد حجة الخ) قال الجصاص في الأحكام في الآية دلالة على لزوم خبر الواحد في أمور الديانات التي لا تلزم العامّة ولا تعم الحاجة إليها وذلك لأنّ الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحوى الدلالة عليه من وجهين أحدهما أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا، والثاني أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة لأنّ معنى قوله لعلهم يحذرون ليحذروا وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد لأنّ الطائفة تقع على الواحد فدلالثها ظاهرة فإن كان التأويل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالطائفة النافرة إنما تنفر من المدينة، والتي تنفقه هي القاعدة بحضرة الرسول ىلمجيح فدلالتها أيضا قائمة لأنّ النافرة إذا رجعت أنذرتها التي لم تنفر، وأخبرتها بالأحكام فهي تدلّ على لزوم قبول خبر الوأحد القاعد بالمدينة مع كون النبيّ صلى الله عليه وسلم بها لإيجابها الحذر على السامعين بنذارة القاعدين، فقد علمت أن في الاستدلال بالآية على حجينه ووجوب العمل به طريقين، وكلام المصنف رحمه الله على الطريقة الأولى فسقط الاعتراض! بأنه مبنيّ على أن الترجي من لله وأنه إيجاب وهو غير متعين هنا. قوله: (يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية الخ) قيد الثلاثة بالتفرد ليفيد مطلوبه، وأورد عليه أنه فسر الفرقة آنفاً بالجماعة الكثيرة كالقبيلة، وأهل البلدة وكلامه هذا لا يلائمه ظاهرا ولا يخفى أن كاف التشبيه
تة تضي عدم الحصر، ولذا قال ظاهرا، ثم إن تقريره مبنيّ على أن الطائفة تقع على الواحد وسيأتي في سورة النور

الصفحة 377