كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

في ذلك سهل، فأمّ ما قيل عليه من أنّ هذا السؤال المنبي عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها لقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [سررة الصافات، الآية: 22] الآية وغيرها إنما يقع بعدما جرى بينها وبينهم من التبرىء من الجانبين وقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله تعالى {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} الخ ونحوه أمّا بعد حضورها حينئذ في الحقيقة وابعادها من ذلك الموقف وامّا بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث ذواتها بل من حيث هي شركاء كما يعرب عنه الوقف بالموصول، ولا ريب في أنّ عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وان كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما كانت أو لا وامّا ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها فيروا خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد، وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ، وإنما الذي يحصل في الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة انتهى. فتخيل لا أصل له لأنّ التوبيخ مراد في الوجوه كلها ولا يتصوّر حينئذ التوبيخ إلا بعد تحقق خلافه مع أنّ كون هذا وقع بعد التبري في موقف آخر ليس في النظم ما يدل
عليه، ومثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هدّا في موقف التبري والإشعار المذكور لا يتأتى مع أنه توبيخ وامّا العلاوة التي ذيل بها كلامه فواردة عليه أيضا مع أنها غير مسلمة لاًنّ عذاب البرزخ لا يقتضي أن لا يشفع لهم بعد ذلك فكم من معذب في قبره يشفع له.
قوله: (ليفقدوها) قيل يرد عليه أنه حيمئذ ينكشف الحال عندهم ويعلمون أنه لا منفعة لهم
في آلهتهم بل مضرة نلا احتمال للتفقد، وهذا غريب فإنّ نسخ الكشاف والقاضي متفقة على أنّ العبارة ليفقدوها من الفقدان، وهو متعلق بيحال بينهم وبين آلهتهم، فيظهر لهم لفقدانهم إياها في تلك الساعة خيبة ظنهم وخسرانهم في تجارتهم لا من التفقد ليرد عليه ذلك ولو سلم فيجوز أن يتفقدوها لغاية خيرتهم وفرط دهشتهم فإنّ الغريق يتشبث بكل حشيش لا يجديه نفعا أو المعنى ليتفقدوها بحمل السؤال على التفقد لإظهار خيبتهم وخسرانهم لا لأنهم يتفقدنها ليطلبوأ منها الشفاعة. قوله: (ويحتمل أن يشاهدوهم ولكن لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب عنهم) قيل هذا السؤال ظاهر في غيبة الشركاء، وقوله وما نرى معكم شفعاءكم الذين إلى قوله وضل عنكم ما كنتم تزعمون نص فيها فلا وجه لهذا الكلام، ويجوز أن يقال ذلك في موطن آخر، أو المعنى وما نرى معكم شفاعة شفعائكم 0 قوله: (فكأنهم غيب عنهم) بضم الغين المعجمة ليتشديد الياء اً وبفتحها مع التخفيف جمع غائب كخادم وخدم وقوله تزعمونهم شركاء إشارة إلى أن المفعولين محدّوفان وتقديرهما كما ذكره والزعم يستعمل في الباطل والكذب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب وخص القرآن لأنه يطلق على مجرّد الذكر والقول ولكن يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله، فحذف المفعولان لانفهامهما من المقام. قوله: (أي كفرهم والمراد عاقبته الخ) أصل معنى الفتنة على ما حققه الراغب من الفتن وهو إدخال الذهب النار لتعلم جودته من رداءته ثم استعمل في معان كالعذاب والاختبار والبلية والمصيبة والكفر والإثم والضلال وليس شيئاً من ذلك عين قولهم المذكور واختار المصنف رحمه الله أنّ المراد به الكفر لأنّ الفتنة ما تفتتن به ويعجبك وهم كانوا معجبين بكفرهم مفتخرين به ويظنونه شيئا فلم تكن عاقبته إلا الخسران والتبري منه وليس هذا على تقدير مضاف بل جعل عاقبة الشيء عينه ادّعاء قال الزجاج: وتأويل الآية حسن لطيف لا يعرفه إلا من عرف معاني كلام العرب وتصرّفاتها، ومثلها أن ترى إنساناً يحب غاويا فإذا وقع في مهلكة تبرأ منه فيقال له ما كان محبتك لفلان إلا أن تبرأت منه وليس هذا من قبيل عتابك السيف ولا من تقدير المضاف وان صح فاحفظه فإنه من البدائع الروائع. قوله: (وقيل معذرتهم الخ) يعني الفتنة استعملت بمعنى العذر لأنها التخليص

الصفحة 38