كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

من الغش والعذر يخلص من الذنب فاستعيرت له أو المراد الجواب بما هو
كذب لأنه سبب الفتنة فتجوّز بها إطلاقا للمسبب على البب أو هو استعارة لأنّ الجواب مختص! بهم أيضا فقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا} الخ على ظاهره وثم للتراخي في الرتبة لأنّ جوابهم هذا من أعظم التوبيخ السابق، وهذا هو الداعي إلى وضع الفتنة موضسع الجواب وعلى ما قبله قوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} كناية عن التبري وانتفاء التدين به وثم على ظاهره، والتفسيران الأخيران منقولان عن قتادة ومحمد بن كعب وتوجيههما بما مر وهو الذي ارتضاه الطيبي وهما متقاربان وقوله: {أو لآنهم قصدوا} الخ فيكون كالذي قبله معنى وتجوّزا، والتغاير اعتباري والحصر على الأوّل إضافي بالنسبة إلى جنس الأقوال أو ادّعائيئ وعلى الوجهين الأخيرين حقيقي. قوله: (وفت! هم بالرفع الخ) قرأ حمزة والكسائي يكن بالياء من تحت ونصب فتنتهم وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم تكن بالتاء من فوق ورفع فتنتهم والباقون بالتاء من فوق أيضاً ونصب فتنتهم، وما ذكره المصنف رحمه الله هو طريق الثاطبي عن الداني، ومن لم يفهم كلامه قال إنه مخالف لحرز الأماني وفي طريق ابن الجزري في الطيبة قرئ يكن بالمثناة التحتية عن الكسائي وحمزة وشعبة بخلف عنه ويعقوب الحضرمي ونصب فتنتهم، والباقون بالفوقية وابن كثير وابن عامر وحفص بالرفع والباقون بالنصب ورفع فتنتهم ابن عامر وحفص وابن كثير، والباقون بالنصب ومن رفع أنث يكن هذا جميع ما قرئ به من الطريقين والخلاف بينهما في شعبة فلا يتوهم مخالفته وقراءة الأخوين أفصح وذلك أنّ فتنتهم خبر مقدم وأن قالوا اسم لأنه إذا اجتمع اسمان أحدهما أعرف جعل الأعرف اسما وغيره خبرا وان قالوا يشبه المضمر والمضمر أعرف المعارف، وفيه بحث ولم يؤنث الفعل لإسناده إلى مذكر، وأمّا قراءة ابن كثير ومن معه ففتنتهم اسمها ولذلك أنث الفعل لإسناده إلى مؤنث وأن قالوا خبرها وفيه إنك جعلت غير الأعرف اسماً والأعرف خبراً فليست في قوة الأولى وأما قراءة الباقين ففتنتهم خبر مقدم والا أن قالوا اسم مؤخر وسيأتي ما في إلحاق علامة التأنيث. قوله: (والنصب على أنّ الاسم أن قالوا والتأنيث للخبر كقولهم من كانت أفك) الذي حققه علماء العربية أن إلحاق علامة التأنيث الفعل إذا أسند إلى مذكر قد أخبر عنه بمؤنث ليس مذهبا للبصريين وهو ضرورة عندهم، والكوفيون يجيزون في سعة الكلام تأنيث اسم كان إذا كان مصدراً مذكرأ وكان الخبر مقدما كقوله:
وقد خاب من كانت سريرته الغدر
فلو قلت كانت شمسا وجهك أو كانت الغدر سريرتك لم يجز واستشهدوا عليه بهذه القراءة، وقال ابن مالك وهذا أولى من أن يقال أنث على معنى المقالة لأنه من قبيل جاءته كتابي وهو قليل خصوصاً وتأنيث المصدر إذا كان ملفوظا قد لا يراعى، وأمّ جعل المصنف له
تبعا للزمخشري من قبيل من كانت أمّك فقد رد بأنه ليس مما نحن فيه لأنّ من لفظها مذكر ومعناها مؤنث، ويجوز فيها مراعاة اللفظ والمعنى فليس تأنيثه لأجل الخبر لكنه في الدرّ المصون نقله بعينه عن أبي عليّ، وقال إنّ للتأنيث علتين مراعاة الخبر ومراعاة المعنى والنكات لا تتزاحم، فلا مانع من اعتبار هذه مرّة وهذه أخرى مع أنه قيل إنه مناقثة في المثال وليست من دأب المحصلين. قوله: (يكذبون ويحلفون الخ) فهو كما قيل:
ويكون أكذب ما يكون إذا حلف
واختلف في جواز الكذب على أهل القيامة فمنعه أبو عليّ الجبائي والقاضي، وذهب الجمهور إلى جوازه مستدلين بهذه الآية ونحوها فإنهم في القيامة حلفوا على أنهم ما كانوأ مشركين وهو كذب، واحتج المنكرون بأنّ حقائق الأشياء تنكشف حينئذ فإذا اطلع أهلها على الحقائق وعلى أنها لا تخفى عليه تعالى وأنه لا منفعة لهم في ذلك استحال صدوره عنهم، وأجابوا عن الآية بأنّ المعنى ما كنا مشركين في اعتقادنا وظنوننا وذلك لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أنهم موحدون متباعدون عن الشرك، ثم اعترضوا على أنفسهم بأنهم على هذا التقدير يكونون صادقين فيما أخبروا فلم قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 24] يعني في قولهم ما كنا مشركين وأجابوا بأنه ليس المراد به أنهم كذبوا في الآخرة بل المراد انظر كيف كذبوا على أنفسهم في دار الدنيا، وأورد حجتهم وأجاب بأنهم لما عاينوا هول القيامة دهشوا

الصفحة 39