كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ّأرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام " أخرجه الترمذفي وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه ورذ بأنه لا يلزم من كون
المصنف رحمه الله من الأشاعرة القائلين بتركب الأجسام من الجواهر الفردة المتماثلة أن يقول بعدم اختلاف الأجسام بالحقيقة لعدم المحيص لمن قال: بتجانس الجواهر الإفراد عن جعل الإعراض داخلة في حقيقة الجسم فتكون حينئذ جواهر مع جملة من الإعراض منضمة إلى تلك الجواهر والا كانت الأجسام كلها متماثلة في الحقيقة وإنه ضرورفي البطلان كذا في شرح المواقف، وقيل عليه أنه لا يخفى أنه يلزمهم القول بعدم الفرق بين الجواهر والإعراض في التجدد والبقاء ضرورة استلزام تجدد الجزء بتجدد الكل لكن المشهور من مذهبهم القول ببقاء الأجسام، وعدم بقاء الإعراض! فلزمهم القول بعدم اختلاف الأجسام فلا محيص إلا بأن يقال لعل المصنف رحمه الله لم يقل بتجدد الإعراض، أو بتماثل الجواهر الإفراد لعدم تمام دليل شيء فيهما، وهو غير وارد لأنّ عدم الفرق ظاهر المنع لأنه فرق بين تجدد الشيء بتجدد جزء منه وبين تجدده بجميع أجزائه وقولهم ببقاء الأجسام لا ينافيه لاحتمال أن يراد بالجسم ثمة ما يقابل الإعراض! لا ما تركب منهما أو المراد بها أعظم أركانه وأقواها نعم كون لدليل غير تامّ مسلم فتأمل. قوله: (متفاوتة الآثار والحركات (قيل هو إشارة إلى ما قيل أنّ السماء جارية مجرى الفاعل والأرض مجرى القابل فلو كانت السماء واحدة لتشابه الأثر وهو يخل بمصالح هذا العالم، وأمّا الأرض فهي قابلة والقابل الواحد كاف في القبول، وحاصله أنّ اختلاف الآثار دل على تعدد السماء دلالة عقلية، والأرض وان كانت متعددة لكن لا دليل عليه من جهة العقل فلذلك جمعها دون الأرض وأمّا دلالة اختلاف الحركات إلى جوانب مختلفة على ذلك فظاهرة وهذا يقتضي أنه استدلال على ظهور تعددها دون تعدد الأرض، والظاهر أنه ليس مراده بل المراد بعدما أثبت تعددهما بالنص بين أنه جمع أحدهما دون الآخر لهذه النكتة، وحينئذ فلا يرد أنه مبنيّ على أصول فلسفية لا ينبغي التفسير بها لأنه ليس بتفسير بل نكتة على أصول أهل المعقول بعدما بينها بوجه آخر، وقد فسر قوله متفاوتة الخ بمعرفة المواقيت، واضاءة النيران مما نطق به القرآن ودل عليه الأحاديث والآثار مما هو معلوم من الشرع تال تعالى: {) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} إلى قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة يس، الآية: 40] وقد فسر بكل من الكواكب وهو محسوس أيضا فيهما وفي الخنس {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [سورة التكوير، الآية: 16] لكن كلامه في سورة البقرة لا يناسبه. قوله: (وقدّمها لشرفها وعلو مكانها) أي لتقدمها بالشرف لأنها محل الملائكة المقرّبين، وقبلة الدعاء ونحو ذلك والأرض وان كانت دار التكليف ومحل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فليس ذلك إلا للتبليغ لأنها ليست بدار قرار وقال النيسابوري: قال
بعضهم السماء أفضل لأنها متعبد الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وما وقع فيها معصية ولهذا هبط آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة، وقالت: اللهم لا تسكن في جواري من عصاك ولذا وقع ذكرها مقدّماً في الأكثر والسماوات مؤثرة والأرض متأثرة والمؤثر أشرف، وقال آخرون بل الأرض! أفضل لأنه تعالى وصف بقاعاً منها بالبركة كقوله: مباركا للعالمين، وردّ بأنه يدل على شرفها لا أشرفيتها، وهذا خلاف كاللفظي لا طائل تحته، وعلو مكانها ظاهر لأنها علوية والأرض! سفلية، ويحتمل العطف فيه أن يكون تفسيراً للشرف وتعليلاً له والمغايرة بأن يراد أنها بمنزلة العلة الفاعلة لأنّ الأرض! مستفيضة منها كما مرّ، قيل: من فسر المكان بالمرتبة ثم علل بكونها من الأرض بمنزلة العلة الفاعلة من القابل لم يصب في المعلل وأخطأ في التعليل، أما الأوّل فلكونه أعاده، وأما الثاني فلكون ما ذكره وجهاً للتقديم كما مر لا لعلو المرتبة كما زعم وهو تعصب منه لأنه على هذا يكون عطفاً تفسيرياً، ولا ضرر فيه وتفسير وجه التقديم وجه للتقديم فما المانع منه. قوله: (وتقدّم وجودها) هذا بناء على مختاره في البقرة لظاهر قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [سورة النازعات، الآية: 29] وان كان يعارضه ظاهر قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة البقرة، الآية: 29] وكذا آية السجدة حتى تحير فيه كثير والمصنف رحمه الله تعالى جمع بينهما بأن، ثم ليست للتراخي في الوجود بل لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق

الصفحة 4