كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

وحاروا فقالوا ذلك القول الكذب وان لم ينفعهم كما حكى الله عنهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 07 ا] مع أنه تعالى أخبر عنهم بقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28] وكذلك قالوا يا مالك ليقض علينا ربك وقد علموا أنه تعالى لا يقضي عليهم بالخلاص، وأجاب عما أجابوا به عن الدليل بأنّ قولهم المراد ما كنا مشركين عند أنفسنا تمحل وتعسف لمخالفته الظاهر، وحمل قوله انظر كيف كذبوا على أنفسهم على الكذب في الدنيا تحريف لكلام الله لأنّ ما قبله وما بعده ليس في أحوالها فتخلل أمر الدنيا تفكيك للنظم، ثم استدل بآية أخرى لا يتطرّق إليها التأوبل إلا بتكلف بعيد وهي قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ} أسررة المجادلة، الآية: 8 أ] الآية وفي الانتصاف في هذه الآية دليل بين على أنّ الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وان لم يعلم المخبر بمخالفة خبره لمخبره، ألا تراه جعل أخبارهم وتبريهم كذبا مع أنه تعالى أخبر أنهم ضل عنهم ما كانوا يفترون أي سلبوا علمه حينئذ دهشاً وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم. انتهى وفيه بحث، وقوله: (أيقنوا بالخلود) نظر فيه بأنه من أين يعلم أنهم موقنون بالخلود فليتأمّل. قوله: (تعسف يخل بالنظم) قال النحرير: التعسف الأخذ في غير الطريق لأنّ الآية لا تدل على
هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شأن حشرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبوّ لأن أوّل الكلام ويوم نحشرهم وآخره وضل عنهم ما كانوا يفترون وذلك في أمر القيامة لا غير، وقوله يخل بالنظم لما فيه من صرف أوّل الآية إلى أحوال القيامة وآخرها إلى أحوال الدنيا ولك أن تدفع ذلك بأنّ المعنى انظر كيف كذبوا على أنفسهم في الدنيا بما ضل عنهم في الآخرة ولم ينفعهم فيها فلا يكون أجنبياً فتامّل، وقال بعض أهل العصر أنّ قول المصنف رحمه إدلّه أنه لا يوافق قوله انظر الخ ممنوع فإنهم لجهلهم وسوء نظرهم اعتقدوا ذلك مع بطلانه فيقولون ما نعبدهم إلا ليقرّبونا. قوله: (من الشركاء) على أن تكون ما موصولة، وجوّز أن تكون مصدرية أي ضل افتراؤهم كقوله ضل سعيهم، وقرئ ربنا بالرفع خبر مبتدأ محذوف وهو توطئة لنفي إشراكهم وفائدته دفع توهم أن يكون نفي الإشراك بنفي الألوهية عنه تقدس وتعالى ولا برد عليه أنّ المناسب له تأخيره. قوله: (ومنهم من يستمع الخ (أفرد ضمير من وجمعه نظرا إلى لفظه ومعناه، والاستماع بمعنى الإصغاء لازم يعدي باللام والى كما صرّح به أهل اللغة وقيل إنه مضمن معنى الإصغاء ومفعوله مقدر وهو القرآن وقوله: والذي: قسم والمراد الله وضميرها عائد إلى الكعبة الحاضرة في الذهن، وقوله: مثل ما حدثتكم كان يحدّثهم باً خبار العجم كرستم واسقيديار وأكنة جمع كنان كغطاء وأغطية لفظاً ومعنى لأنّ فعالاً بفتح الفاء وكسرها يجمع في القلة على أفعلة كأحمرة وأقذلة، وفي الكثرة على فعل كحمر إلا أن يكون مضاعفاً أو معتل اللام فيلزم جمعه على أفعلة كأكنة وأخبية إلا نادراً، وفعل الكن ثلاثيئ ومزيد يقال كنه وأكنه وفرق بينهما الراغب فقال: أكننت يستعمل لما يستر في النفس، والثلاثيّ لغيره وبيته هو الكعبة المشرفة. قوله: (كراهة أن يفقهوه الخ (أي على تقدير مضاف ومنهم من قدر لا فبه وفي أمثاله وسيأتي في سورة الإسراء تجويز المصنف رحمه الله أن يكون مفعولاً به لما دل عليه قوله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي منعناهم أن يفقهوه أو لما دل عليه أكنة وحده من ذلك. قوله: (وقرا يمنع من استماعه) يمنع إلى آخره تفسير للوقر بالفتح
قال الزجاج الوقر بالفتح ثقل في السمع، وبالكسر حمل البغل ونحوه وبه قرأ طلحة وهو استعارة كأنّ آذانهم وقرت وحملت من الصمم، وقد مرّ تحقيق التجوّز فيه في سورة البقرة في: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [سورة البقرة، الآية: 7] وأنه يحتمل الاستعارة التصمريحية، والمكنية والمشاكلة كما بسطناه ثمة ومعنى يمنع من استماعه أنه يمنع من استماعه على ما هو حقه فلا يخالف قوله: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [سورة الأنعام، الآية: 25] ولذا قيل الأنسب لما تقدّمه أن يقول كراهة أن يسمعوه وقال المصنف رحمه الله في الإسراء لما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وادراك اللفظ انتهى وأورد عليه أنهم ما عجزوا عن إدراك اللفظ المسموع على ما دل عليه ما مرّ في سبب النزول إنما عجزوا عن إدراك اللفظ المطبوع الشامل للخواص والمزايا وأجيب بأنّ

الصفحة 40