كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الخسران مبالغة وليس بوارد لأنّ جعله غاية للخسران المتعارف بقرينة المقام يفيد أن ما وقع بعده أشدّ وأفظع منه حتى كأنه جنس آخر، وهو يلاقي ما ذكره ولا ينافيه، وقد غفل عن هذا من تابعه وما ذكره الطيبي وجه بديع فتأمّله. قوله: (بغتة) في نصبه وجوه منها أنه حال بمعنى مبغوتين وقيل إنه منصوب على أنه مفعول مطلق من معناه كرجع القهقرى، وقيل بفعل مقدر من غير لفظه أي أتتهم بغتة، وقيل من لفظه والبغتة والفجأة مجيء شيء سرعة لم يكن منتظرا والساعة غلبت على يوم القيامة كالنجم للثريا، وسميت ساعة لقلتها بالنسبة لما بعدها من الخلود أو لسرعة الحساب فيها على الباري. قوله تعالى: {*******فهذا أوانك} تعالى بفتح اللام
وسكون الياء كما مرّ قال سيبويه: كأنه يقول أيتها الحسرة هذا أوانك، وقال أبو البقاء: معناه يا حسرة احضري هذا أوانك وهو مجاز معناه تنبيه أنفسهم لتذكر أسباب الحسرة لأنّ الحسرة لا تطلب ولا يتأتى إقبالها وإنما المعنى على المبالغة في ذلك حتى كأنهم ذهلوا فنادوها كقوله: {يَا وَيْلَتَنَا} قيل والمقصود التنبيه على خطأ المنادي حيث ترك ما أحوجه تركه إلى نداء هذه الأشياء قال الطيبي: وهذا أقرب من قول الزمخشري لسلامته عن السؤال ولأنّ قوله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} مقارن لهذا التحسر وهو لا يناسب إلا الحشر ويعني بالسؤال قوله فإن قلت أما يتحسرون عند موتهم، قلت لما كان الموت وقوعا في أحوال الآخرة ومقدّماتها جعل من جنس الساعة وسمي باسمها ولذلك قال رسول الله-يخي! : " من مات فقد قامت قيامته " (1) أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة ووجهه أنه جعل الغاية تذكر التحسر لا نفسه فلم يرد السؤال عليه رأسا ومن لم يتنبه لمراده ظن أنه أهمل ما ذكره الزمخشري وضمه إليه. قوله: (قصرنا الخ (ما مصدرية والتفريط التقصير فيما قدر على فعله وقال أبو عبيد: معناه التضييع وقال ابن بحر معناه السبق ومنه الفارط للسابق فالمفرط سبقه غيره للفعل فالتضعيف فيه للسلب. قوله: (في الحياة الدنيا الخ) الضمير راجع إلى الحياة المعلوم من السياق وقوله أضمرت، وان لم يجر ذكرها أورد عليه أنّ عدم الذكر في كلامهم مثترك بينها وبين الساعة وعدمه في كلامه تعالى ممنوع فيهما لما سبق آنفاً وذكر جواب العلامة في شرح الكشاف وهو أنّ القائلين هذا القول هم الناهون عن اتباعه صلى الله عليه وسلم وهم كفار قريش، أو غيرهم فالحياة الدنيا مذكورة في قصة عن قوم آخرين وقد انتقل منها إلى قصة أخرى فلا يجوز عود الضمير منها إلى ما فرغ عنه بخلاف الساعة ولا يرد عليه كما توهم أنّ قول المصنف بعيد هذا وهو جواب لقولهم: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ينافيه لأنه لا مانع من ذكر مقالتين ثم التصريح بجواب إحداهما ألا تراه أظهر في الجواب، ولم يضمر لكونه كلاماً آخر نعم يرد عليه أنه إذا حكى كلامان لا مانع من أن يضمر في الآخر ما يعود إلى ما ذكر في الأوّل لأنهما باعتبار الحكاية كلام واحد، كما إذا قلت قال زيد أكرمت عمرا وقال بكر إنه أهانه ومثله كثير لا شبهة في صحته، ولك أن تقول! إن المراد إنها نكتة لا يلزم اطرادها فإن اعتبر المحكي أظهر وان اعتبرت الحكاية أضمر لا إنه يتعين الأوّل، وان كان قول الشارح لا يجوز يقتضي خلافه. قوله: (تمثيل الخ) الآصار جمع أصر كحمل لفظاً ومعنى والوزر أصل معناه الثقل أيضا ثم قيل
للذنوب أوزار وجعلها محمولة على الظهر استعارة تمثيلية وعلى الظهر بناء على المعتاد الأغلب كما في كسبت اً يديكم إذ الكسب في أكثر بالأيدي وقيل حملها على الظهر حقيقة وانها تحسم لما روي في الحديث هنا: " إنه ليس من ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة فإذا ر! قال له: ما أقبح وجهك فيقول: كذا كان عملك قبيحا فيكون معه قي قبره فإذا بعث قال له: إني كنت في الدنيا أحملك باللذات والشهوات، وأنت اليوم تحملني، فيركب ظهره ويسوقه إلى النار " (1 (الحديث ولعل هذا تمثيل أيضا وقريب منه ما قيل، من قال بالميزان واعتقد وزن الأعمال لا يقول إنه تمثيل. قوله: (ألا ساء ما يزرون) ساء يحتمل هنا وجوها ثلاثة أحدها أن تكون المتعدية المتصرفة ووزنها فعل بفتح العين والمعنى ألا ساءهم ما يزرون وما موصولة أو مصدرية أو نكرة موصوفة فاعل له، الثاني أنها حوّلت إلى فعل بضم العين وأشربت معنى التعجب والمعنى ما أسوأ

الصفحة 47