كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الذي يزرونه، أو ما أسوأ وزرهم على اهـ مالي ما، والئالث أنها حوّلت أيضا للمبالغة في الذمّ فتساوي بئس في المعنى والأحكام، والكلام في ما كما في قوله بئس ما اشتروا والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه فيما قبله لا يشترط فيه ما يشترط في فاعل بض من الأحكام ولا هو جملة منعقدة من مبتدأ وخبر وإنما هو فعل وفاعل، والفرق بين هذين الوجهين والأوّل إنه متعدّ في الأوّل قاصر في هذين وإنه فيه خبر وفيهما إنثاء، واقتصر المصنف على أحدهما وقدر المخصوص بالمدح وذكر المولى ابن كمال اثنين منها فتوهم بعضهم أنه لم يفرق بينهما وهو الواهم لأنه قال المخصوص بالذم محذوف أي بئس شيئاً يزرون وزرهم أو الذي يزرونه، وجاء على وزن فعل متعدياً فتقديره ساءهم انتهى. قوله: (وما أعمالها إلا لعب ولهو الخ) أي ليست الأعمال المختصة بها إلا كاللعب واللهو في عدم النفع والثبات فخرج ما فيها من الأعمال الصالحة كالعبادة وما كان لضرورة المعاش، والكلام من التشبيه البليغ ولو لم يقدر مضاف وجعلت الدنيا نفسها لهواً ولعبا مبالغة صح بقي هنا نكتة وهو أنه جمع اللهو واللعب في آيات فتارة قدم اللعب كما هنا وتارة قدم اللهو كما في العنكبوت فهل لهذا التفنن نكتة خاصة أم لا فأبدى بعضهم لذلك نكتة وزعم أنها من نتاتج أفكاره، وليس كما قال فإنها مذكورة في درة التأويل وهو أبو عذرته في هذا الفن، ومحصل ما ذكراه أنّ الفرق بين اللهو واللعب مع اشتراكهما في أنهما الاشتغال بما لا يعني العاقل وبهمه من هوى أو طرب سواء كان حراما أم لا أنّ اللهو أعم من اللعب فكل لعب لهو ولا عكس فاستماع الملاهي لهو وليس بلعب، وقد فرقوا بينهما بأنّ اللعب ما قصد به تعجيل المسرة والاسترواح به واللهو كل ما شغل من هوى وطرب، وان لم يقصد به ذلك كما نقل عن أهل اللغة قالوا واللهو إذا أطلق فهو اجتلاب المسرة بالنساء كما قال امرؤ القيس:
ألا زعمت بسياسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي
وقال قتادة اللهو في لغة اليمن المرأة، وقيل اللعب طلب المسرة والفرج بما لا يحسن أن يطلب به، واللهو صرف الهمّ بما لا يصلح أن يصرف به وقيل إن كان شغل أقبل عليه لزم الإعراض! عن كل ما سواه لأن من لا يشغله شأن عن شأن هو الله فإذأ أقبل على الباطل لزم الإعراض! عن الحق فالإقبال على الباطل لعب والإعراض عن الحق لهو، وقيل العاقل المشتغل بشيء لا بد له من ترجيحه وتقديمه على غيره فإن قدمه من غير ترك للآخر فلعب وإن تركه ونسبه به فلهو فهذه وجوه أربعة في الفرق بينهما ما إذا عرفت هذا فهذا الكلام لما كان رذأ على الكفرة في إنكار الآخرة وحصر الحياة في الحياة الدنيا فهؤلاء طاعة داعي الجهل ليس لهم وفي اعتقادهم إلا ما عجل من المسرة بزخرف الدنيا الفانية قدم اللعب الدال على ذلك وتفم باللهو أو لما طلبوا الفرح بها وكان مطمح نظرهم وصرف الهم لازم وتابع له أو لما أقبلوا على الباطل في أكثر أقوالهم وأفعالهم قدم ما يدذ عليه، وعلى الأخير الاستغراق إنما يكون بعد التقديم فروعي فيه الترتيب الخارجي، وأفا في العنكبوت فالمقام لذكر قصر مدة الحياة بالقياس إلى الآخرة وتحقيرها بالنسبة إليها، ولذا ذكر اسم الإشارة المشعر بالتحقير وعقبت بقوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [سورة العنكبوت، الآية: 64] والاشتغال باللهو مما يقصر به الزمان، وهو أدخل من اللعب فيه وأيام السرور فصار كما قال:
وليلة إحدى الليالي الزهر لم تك غير شفق وفجر
وينزل هذا على الوجوه في الفرق كما مر، وان أردت التفصيل فطالع درّة التنزيل.
قوله: (وخلوص منافعها) أي عن المضارّ والآلام وقوله تنبيه على أنّ الخ لما خص أعمال الآخرة بالمتقين وهي في مقابلة أعمال الدنيا التي هي لعب ولهو علم أن ما ليس من أعمال المتقين ليس من أعمال الآخرة بل من أعمال الدنيا وأعمال الدنيا لعب ولهو فما ليس من أعمال المتقين لعب ولهو كذا أفاده النحرير ولزم منه بيان أنّ اللهو واللعب ما خالف أفعال المتقين، وترك بيانه لظهوره وعدم الاعتناء به فلا وجه لما قيل لو جعل المنبه

الصفحة 48