كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

عليه عكس هذا أنّ اللهو واللعب ما ليس من أفعال المتقين كان أظهر. وقوله: (وقرأ ابن عامر ولدار الآخرة) بإضافة الموصوف للصفة ومن لم يجوّزه تأوّله بتقدير ولدار النشأة الاخرة ونحوه أو أجرى الصفة مجرى الاسم كما سيأتي تحقيقه في سورة يوسف. قوله: (أفلا يعقلون أيّ الأمرين خير) ضمير الجمع قال الواحدقي للمتقين وهو معنى قول المصنف
رحمه الله خطاب المخاطبين لأنهم المخاطبون في الحقيقة والاستفهام حينئذ ليس للإنكار بل للتنبيه والحث على التأمّل، وقيل إنّ معنى قوله على خطاب المخاطبين به أي الذين وجه الكلام إليهم وهم الذين قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا فالاستفهام للتقرير والتحقيق أو الإنكار وفيه التفات ويشمل غيرهم بعموم الخطاب والتغليب كما هو معروف، وقيل على قوله وهو جواب الخ إنهم ينكرون الآخرة وهذا يدل على ترجيحها ولا وجه لأن ترجيحها يرذ ما ادّعوه على أبلغ وجه كما لا يخفى واعلم أن اللهو له معنيان أحدهما الهزل والثاني صرف النفس عن أمر إلى غير. ومادتهما واحدة وهو واوفي، وقال المهدوي الأوّل لامه: واو، والثاني ياء بدليل قولهم لهيان في الثاني وردّه أبو حيان بأنّ اللام في التثنية تقلب ياء ألا ترى قولهم شجيان في شجى، وهو واوي من الشجو (أقول) ما قاله غير مسلم لأنّ الراغب إمام أهل اللغة قال: يقال لهوت ولهيت، وقال في الدرّ المصون كلام الراغب هو الذي غرّ المهدويّ، وهو غريب منه فلا تكن من الغافلين. قوله: (معنى قد زيادة الفعل وكثرته) وكثرة العلم بكثرة المعلوم فإن في ليحزنك ويقولون دلالة على الاستمرار التجدّدي والأصل الأغلب في قد أن تستعمل للتقليل، وفهمه ابن مالك من قول سيبويه وتكون قد بمنزلة ربما قال الهذليئ:
قد أترك القرن مصفرّآ أنامله كأن أثوابه محت بفرصاد
كأنه قال: ربما هذا نص كلامه.! قال ابن مالك: إطلاقه إنها بمنزلة ربما يوجب التسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضيئ، وهو الصحيح، واعترض عليه أبو حيان بأنّ سيبويه رحمه الله لم يبين الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما فلا يدل ذلك على التسوية وان كلامه يدل على التكثير لا التقليل لأنّ الإنسان لا يفخر بشيء يقع منه على سبيل القلة والندرة وإنما يفخر بما يقع منه على سبيل الكثرة فتكون قد بمنزلة ربما في التكثير انتهى. فأفاد أن قد في البيت للتكثير وأن كلام سيبويه رحمه الله دالّ على التكثير كما فهمه عنه الزمخشري وغيره لا كما فهمه ابن مالك ومن تبعه (قلت (فقد علمت اختلافهم في مراد سيبويه رحمه الله وفي قد في البيت وأنه محتمل للوجهين، والحق ما فهمه ابن مالك من أن مراده التقليل وانّ الشعر دليل عليه، فإن الفخر يقع بترك الشجاع قرنه وقد صبغت أثوابه بدمائه في بعض الأحيان وقول أبي حيان رحمه الله إنّ الإنسان لا يفخر إلا بما يصدر منه كثيراً غير مسلم، لأنّ ذلك فيما يكثر وقوعه، وأمّا ما يندر يفتخر بوقوعه نادراً لأن قرن الشجاع لو غلبه كثيرآ لم يكن قرنا له، لأن القرن المقاوم المساوي المعارض فلفظ القرن يقتضي بحسب دقيق االنظر أنه لا يغلبه إلا قليلاً والا لم يكن قرناً، ويتناقض أوّل الكلام وآخره ونحوه قول بعض النحاة في الردّ على من اسنشهد لتقليل قد يقولهم قد يجود البخيل ويصدق الكذوب بأن قد فيه للتحقيق لا للتقليل
والتقليل يستفاد من مجموع الكلام لا من قد فإنه إن لم يحمل على أنّ صدور ذلك لو كان كثيراً فسد المعنى وناقض آخر الكلام أوّله وقيل إنها هنا للتحقيق، وقيل إنها للتقليل أي ما هم فيه أقل معلوماته، وإذا استعملت للتكثير فهل هو بطريق الوضع أو استعارة أحد الضدين للآخر قولان. قوله: (ولكنه قد يهلك المال نائله) هو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح بها حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري أوّلها:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرّى أفراس الصبا ورواحله
وهي من جيد شعره ومنها:
فمن مثل حصن في الحروب ومثله لإنكارضيم أولخصم يجادله
أخوثقة لايهلك الخمرماله ولكنه قديهلك المال نائله

الصفحة 49