كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولولم يكن في كفه غيرنفسه لجادبهافليتق الله سائله
قيل إنه يريد أنه جواد لا يسرف ولما كان السكر مظنة الإسراف خصه بالنفي، وقوله أخو
ثقة ظاهر في هذا المعنى وان خفي على من قال إنّ جوده ذاتيّ لا يحدث بالسكر، ثم لما كان الوصف بإفراط التوقي عن الإسراف المفهوم من ملازمة الثقة مظنة التفريط في الجود تداركه بقوله ولكنه الخ أي مال ذلك الممدوح يذهبه نائله أي عطاؤه يعني ما فيه من كمال الحزم وفرط الاحتياط قد يقتضي غلبة الجود على من طبعه عدم الإسرأف فعلى هذا قد على معناها الأصليّ، غير مستعارة لضدها كما في الكشاف وغيره.
(قلت) هذا تكلف يذهب رونق الشعر وماء الفصاحة والحق ما ذكره في الكشاف، وليس
معنى قوله أخو ثقة ما ذكره بل معناه إنه يثق به من يرجوه في الشدائد ويقصده في المضايق لأنه لا يخيب راجيا كما فسره به أئمة الأدب وشراح الحماسة فلا دلالة له على عدم الإسراف أصلاً ألا ترى قوله في قصيدة أخرى:
واذا سكرت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلم
واذا صحوت فما أقصرعن ندا وكما علمت شمائلي وتكرمي
قوله: (وقرئ الخ) هي قراءة نافع رحمه الله وكلامه رحمه الله لا يوهم أنها شاذة كما
توهم. قوله: (فإنهم لا يكذبونك في الحقيقة (لما كان ظاهر النظم كالمتناقض لأنّ جحود آيات الله المنزلة على النبيّ صلى الله عليه وسلم المصدقة له تكذيب له فيما يدعيه من الشرائع وجهه في الكشاف بثلاثة أوجه الأوّل أنّ المراد بنفي تكذيبه استعظام تكذيبه، وأنه مما لا ينبغي أن يقع وجعله
تكذيبا لله تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، الثاني أن المراد نفي التكذيب القلبي واثبات اللساني، الثالث أنهم ليس قصدهم تكذيبك لأنك عندهم موسوم بالصدق وإنما يقصدون تكذيبي والجحود بآياني، وهذا الوجه حكاه الكساتي وردّه الشريف المرتضى بأنه لا يجوز أن يصذقو. في نفسه، ويكذبوا ما أتى به لأنّ من المعلوم أنه ع! ييلى كان يشهد بصحة ما أتى به وصدقه وأنه الدين القيم والحق الذي لا يجوز العدول عنه فكيف يجوز أن يكون صداقا في خبره ويكون الذي أتى به فاسداً بل إن كان صادقاً فالذي أتى به صحيح وإن كان الذي أتى به فاسداً فلا بد أن يكون كاذبا فيه، وهذا تأويل من لم يحقق المعاني وسيأتي ما يؤخذ منه جوابه فتدبر وقيل إنهم لا يكذبونك فيما وافق كتبهم وان كذبوك في غيره وقيل جميعهم لا يكذبونك وان كذبك بعضهم وهم الظالمون المذكورون في هذه الآية فلا يكون من وضع الظاهر موضع المضمر وقيل لا يكذبونك كذبا ضارّاً لك وقال الطيبيّ الوجه هو الأوّل لقوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} [سورة الأنعام، الآية: 34] فإنه تسلية له صلى الله عليه وسلم فلا يناسب الوجهين الأخيرين، وفيه نظر وقوله في الحقيقة في شرح الهداية هذه العبارة تستعمل عند المحصلين فيما إذا دلّ لفظ بظاهره على معنى إذا نظر إليه يؤول إلى معنى آخر، والمراد بقوله في الحقيقة أن تكذيبهم إنما هو لي فهو كما في الوجه الثالث ويكون ما روي مؤيداً له لا وجها آخر وان كان معناه لا يعتقدون كذبك في الباطن فهو جواب آخر وكلامه محتمل لهما كما سيأتي بل ربما ينزل على الوجوه كلها ويكون هذا من إيجازه البديع كما هو عادته، وقوله: (روي الخ) تأييد لما في ضمنه فإن حمل على ظاهره يكون اقتصر على أحد الأجوبة لأنّ بعضها الأخر غير مرضيّ له أو غير مغاير له من كل الوجوه ففيه ردّ على الكشاف وسلوك طريق آخر وهو الظاهر فكلامه محتمل لوجوه من التخريج فتدبر، والفاء للتعليل فإنّ قوله قد نعلم الخ بمعنى لا تحزن كما يقال في مقام المنع والزجر نعلم ما تفعل، ووجه التعليل في تسليته له صلى الله عليه وسلم بأن التكذيب في الحقيقة لي وأنا الحليم الصبور فتخلق بأخلاقي، ويحتمل أن يكون المعنى إنه يحزنك قولهم لأنه تكذيب لي فأنت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهمّ وأعظم. قوله: (يجحدون بآيات الله ويكذبونها) وفي نسخة يكذبونه والجحد كالجحود نفي ما في القلب ثباته أو إثبات ما في القلب نفيه، وقيل: الجحد إنكار المعرفة، فليس مرادفا

الصفحة 50