كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

للنفي من كل وجه وقدر التضمين بالعطف، وهو أحد طرقه كما قدروه في الرفث إلى نسائكم بالرفث والإفضاء وليس طريقة منحصرة في الحالية، كما يتوهم وقد مرّ تحقيقه لكنه كان الأظهر أن يقول ويكذبون بها كما في بعض النسخ، ألا ترى إلى قوله والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب ولذا قيل حق التعبير ولكنهم يجحدون آياتنا مكذبين بها لتعدي الجحد بنفسه، وحص ن المضمر حالاً صلته الباء وليس متعينا كما عرفت، وقيل عليه أيضاً أن الجحد يتعدى بنفسه وبالباء كالتكذيب وهو ظاهر كلام الجوهري، والراغب فإنه قال يقال جحده حقه
وبحقه، وكذب وأكذب معنى عند الجمهور وقال الكساتي: العرب تقول كذبته بالتشديد إذا نسبت الكذب إليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دونه، ويقولون أيضا أكذبته إذا وجدته كاذبا كأحمدته إذا وجدته محمودا، وإليه أشار المصنف رحمه الله وقوله: (روي أنّ أبا جهل الخ) هذا الحديث (1 (أخرجه الترمذي والحاكم عن عليّ كرم الله وجهه وصححاه، وهذا إشارة إلى وجه آخر كما في الكشاف وهو الذي حمل الكسائيّ على تفسيره السابق وقيل ليس هذا إشارة إلى وجه وذاك إلى آخر كما يوهمه النظر في الكشاف والا فالوجه إيراده بالواو، وحاصل المعنى أنهم لا يكذبونك في نفس الأمر لأنهم يقولون إنك صادق ولكن يتوهمون أنه اعترى عقلك نوع خلل فخيل إليك أنك نبي وليس الأمر بذاك وما جئت به ليس بحق، أو مراده كما قال الطيبيّ رحمه الله: إنك لا تكذب لأنك الصادق الأمين ولكن ما جئت به سحر، ومنه علم جواب ما مرّ عن علم الهدي المرتضى. قوله: (للدّلالة الخ (الظاهر أنّ مراده أنّ الظلم إمّا مطلق فيفيد أنّ الظلم دأبهم وديدنهم وأنه علة الجحود لأنّ التعليق بالمشتق يفيد علية المأخذ كما يفهم من قولك الجواد يقري الضيف أنّ سبب قراه الجود، وان أريد ظلمهم المخصوص فهو غير الجحود وواقع به نحو ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فيكون المبتدأ مشيراً إلى وجه بناء الخبر كقوله:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
وقيل إنه يشير إلى أن اللام إمّا موصولة واسم الفاعل بمعنى الحدوث فيفيد الكلام سببية الجحد للظلم أو حرف تعريف واسم الفاعل بمعنى الثبوت فيفيد سببية الظلم للجعد انتهى وفيه نظر. قوله: (وفيه دليل الخ) كما صزح به في الآية الأخرى وهي وأن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فما هنا كقول السيد لغلامه إذا أهين أنهم لم يهينوك وإنما أهانوني، وهذا يبين معنى قوله في الحقيقة السابق وليس وجها آخر كما توهم، وقيل المراد بقوله: لا يكذبونك في السر وقوله على تكذيبهم وايذائهم إشارة إلى أن ما مصدرية وأو ذوا عطف على كذبت أو كذبوا أو على صبروا، والإيذاء بصيغة الأفعال بمعنى الأذى أثبته الراغب وصاحب المصباح المنير،
وقوله في القاموس: أذاه أذى ولا تقل إيذاء خطأ والذي غرّه ترك الجوهريّ وغيره له وهو وسائر أهل اللغة لا يذكرون المصادر القياسية لعدم الاحتياج إلى ذكرها وقوله: (بوعد) كان الظاهر أن يقول بدله إلى وعد. قوله: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين أي من قصصهم) القصص هنا كالنبأ لفظاً ومعنى ويصح أن يكون جمعا وفاعل جاء قال الفارسيّ هو نبأ ومن زائدة وهو على مذصب الأخفش المجوّز لزيادة من في الإثبات وقبل المعرفة وأيضا ليس المعنى على العموم بل المراد بعض نبئهم لقوله تعالى: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة غافر، الآية: 78] ، والصحيح أنّ فاعله ضمير مستتر تقديره هو أي النبأ أو البيان لا أنّ الفاعل محذوف وهذا صفته أي نبأ من نبأ المرسلين لأنّ الفاعل لا يجوز حذفه هنا ورجح أبو حيان عوده على ما دلّ عليه الكلام السابق من تكذيب الرسل وإيذائهم وضرّهم وهو بعض أنبائهم ومن نبا حال من الضمير المستتر، والزمخشري فسره بقوله بعض أنبائهم وهو تفسير معنى لا إعراب وقيل إعراب لأنّ الحرف عنده يكون مسنداً إليه إذا أوّل باسم كما جعل من مبتدأ في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا} [سورة البقرة: الآية: 8] وقد مرّ تحقيقه وقوله فتأسق من الأسوة أي اقتد بهم، وفسر الكلمة بالوعد وهو ظاهر وكابدوا بالموحدة بمعنى قاسوا. قوله: (وإن كان كبر) هذا شرط جوابه الفاء الداخلة على الشرط الثاني وجواب الثاني محذوف تقديره فافعل وجعل الشرط الثاني وجوابه جواباً للاوّل

الصفحة 51