كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

كما أوضحه المصنف رحمه الله قال النحرير: وإنما أتى بلفظ كان ليبقى الشرط على المضيّ ولا ينقلب مستقبلاً لأنّ كان لقوّة دلالته على المضيّ لا تقبله إن للاستقبال بخلاف سائر الأفعال وهو مذهب المبزد والنحاة تؤوّله بتبين وظهر ونحوه. قوله: (فإن استطعت أن تبتغي نفقاً الخ) النفق السرب النافذ في الأرض وأصل معناه حجر اليربوع ومنه النافقاء لأحد منافذه ومنه أخذ النفاق، وقوله: (فتطلع لهم آية) وقد يجعل نفس النفوذ في الأرض والصعود إلى السماء آية ولم يرتضه المصنف رحمه الله هذا وقد ردّه أبو حيان رحمه الله بأنه لا يظهر من دلالة اللفظ إذ لو كان كذلك لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية وأيضاً فأي آية في دخول سرب في الأرض! أمّا الرقيّ إلى السماء فيكون آية. قوله: (صفة لسلما الخ) فسر هذا وما بعده بأنّ المراد في شأنها وأمرها، وقيل لا يصح أن يكون من قبيل رميت الصيد في الحرم إذا كان خارجا عن الحرم كما توهمه النحرير والموهم وأهم لأنه لا معنى لسكون السلم في شأن السماء والنفق في شأن الأرض! بل المراد الظرفية الحقيقية،
وقوله لو قدر إشارة إلى أنّ أن بمعنى لو ليؤذن بأنّ فيه تعليق إسلام قومه بالمحال وأن الشرط لم يخرج عن المضيّ كما مرّ. قوله: (وجواب الشرط الثاني محذوف تقديره فافعل) قيل من الجائز أن يعبر عن هذا المحذوف تارة بالخبر وتارة أخرى بالإنشاء وفيه وجوه ثلاثة، أحدها أنّ المقدر أتيت بصيغة الخبر وينبئ عنه قوله لأتى بها لأنه جعل إن بمعنى لو ليؤذن بأن فيه تعليق إسلامهم بالمحال أي بلغت من حرصك على إيمانهم بحيث لو قدرت أن تأني بالمحال أتيت به والمراد المبالغة فيه، وئانيها تقدير فافعل أمراً وفيه نوع توبيخ وحاصله بيان حرصه على تأتي مطلوبهم واقتراحهم على أبلغ وجه لأنه إذا وبخه على طلب ما اقترحوه تعريضا كان توبيخهم أجدر وأنسب بقوله فلا تكونن من الجاهلين لصراحته في التعريض، وثالثها لفعلت على أنّ نفس ابتغاء النفق والسلم آية. قوله: (ولو شاء الله لجمعهم الخ) يشير إلى تفسير الآية على مذهب أهل السنة القائلين بعدم جواز تخلف الإرادة الإلهية عن المراد ومفعول شاء محذوف وهو جمعهم على الهدى والآية دليل ظاهر لهم والمعتزلة أوّلوها بأنّ المراد منها لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة فالذي لم يتخلف هنا المشيئة القسرية لا مطلق المشيئة وهذا مراد من حمل المشيئة على مشيئة القسر خلافا لمن ظن مغايرتهما. قوله: (من الجاهلين بالحر ع على ما لا يكون) قيل لما أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يتعلق بمايمانهم مشيئة نهاه عن كونه معدوداً من زمرة الجاهلين بالحرص عليه ولا شك في وقوع الحرص منه لمج! قبل هذا فليس النهي من قبيل ولا تطع الكافرين وهو ردّ لما في شرح الكشاف، وليس بصواب فإنّ الزمخشري فسره بالذين يجهلون ذلك ويرومون خلافه فقيد الجهل بهذا الحكم وهو أنه لا يجمعهم على الهدى على مثل هذه الحالة كما أنّ قوله: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [سورة الأحزاب، الآية: 48] ، لا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أطاعهم وقبل دينهم والمقصود لا ينبغي أن يكبر عليك إعراضهم والأقرب حالك من حال الجاهلين والمصنف رحمه الله سلك مسلكا آخر لم يحتج فيه إلى هذا وقد بين الفرق بين مسلكيهما في بعض الحواشي فلا معنى لخلط أحدهما بالآخر، ثم إنه لم يقل لا تكن جاهلاً بل من قوم ينسبون إلى الجهل تعظيماً لنبيه جم! هـ بأن لم يسند الجهل إليه للمبالغة في نفيه عنه وفي كلامهم إشارة إليه. قوله: (بالحرص الخ) عدل عن قول الزمخشري
الذين يجهلون ذلك أي يجهلون أن لا يفعل ذلك لخروجه عن الحكمة فإنه رمز إلى مذهبه. قوله: (إنما يجيب الخ) احتج ابن قتيبة في أدب الكاذب بقول الغنوي:
وداع دعايا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب
على أنه يقال استجبتك بمعنى استجبت لك، ولذأ قال يعقوب يمكن أن يريد فلم يجبه،
ويدل عليه أنه قال مجيب ولم يقل مستجيب، فيكون أجرى استفعل مجرى أفعل كما قالوا استخلصه بمعنى أخلصه واستوقد بمعنى أوقد ومنهم من فرق بينهما بأنّ استجاب يدل على قبول ما طلب منه وأجاب أعثم من ذلك. قوله: (بفهم وتأمّل) فالمراد بالسماع فرده الكامل وهو سماع فهم وتأمّل بجعل ما عداه كلا سماع وتوله:

الصفحة 52