كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

{وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ} [سورة الأنعام، الآية: 36] في الكشاف هو مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة ثم إليه يرجعون للجزاء، فكان قادراً على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان وأنت لا تقدر على ذلك، وقيل معناه وهؤلاء الموتى يعني الكفرة يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسمعون وأمّا قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم، وهما وجهان: الأوّل أنّ المعنى حال قدرته خاصة على إلجائهم إلى الاستجابة كحال قدرته خاصة على بعث الموتى من القبور لكن على هذا ليس لقوله: ثم إليه يرجعون كبير دخل في التمثيل إلا أن يراد أنه إشارة إلى ما ترتب على الاستجابة من الآثار في الدنيا والآخرة، والثاني الموتى فيه مجاز عن الكفرة تشبيها لكفرهم وجهلهم بالموت فيكون استعارة تبعية كما قيل:
لايعجبن الجهول بزته فذاك ميت ثيابه كفن
وعلى الأوّل فالمفردات على حقائقها، وكلام المصنف محتمل فيحتمل أنه يريد الأوّل ويكون قوله فيعلمهم مرتب عليه بناء على أنه عند الآية الملجئة لا ينفع الإيمان كما مرّ، ويحتمل الثاني أيضا أي الكفرة يعلمهم حيث لا ينفعهم الإيمان، وقوله كالموتى ظاهر فيه، وذلك إمّا عند الموت أو عند الحشر وخص العلم الثاني لأنه أقوى ولأنه الدّي يترتب عليه الجزاء ا! بر من الخلود في العذاب الأليم فلا يرد عليه ما قيل أنّ إعلام الله إياهم ليس بعد البعث بل حين الموت، وقيل المعنى، وهؤلاء الكفرة يبعثهم الله في شركهم حتى يؤمنوا بك عند حضور الموت في حال الإلجاء ذكره القرطبي نقلا عن الحسن رحمه الله فقوله فيعلمهم الخ تفسير والفاء تدخل على المفسر لأنه بعد المفسر في الذكر والرتبة ولا يخفى أنّ البعث على هذا بمعناه اللغوي وليس في كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه فحمل كلامه عليه تكلف بعيد، وقيل بعثهم هدايتهم إلى الإيمان وفيه رمز إلى أنّ هدايتهم كبعث الموتى فلا يقدر عليه إلا الله ففيه إقناط للرسول صلى الله عليه وسلم عن إيمانهم، وقوله: للجزاء إشارة إلى انّ الإرجاع عبارة عن الجزاء. قوله تعالى: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} قيل مع كثرة ما أنزل عليه من الآيات لعدم اعتدادهم
بها عناداً كأنه لم ينزل عليه شيء أو آية مما اقترحوه، وهو رذ لمن أخذه مقابلا لها فلا يلزم أن يكون مساويا لها حتى تصح المقابلة. قوله: (آية مما اقترحوه الخ) دفع لما يشعر به من عدم تنزيل آية وتسليم ذلك اذعاء أنه مقدور له لكن لم يقع لعدم المشيئة بناء على الصارف، ووجه الدفع أن ما ذكروا عناد، أو المذكور في الجواب محمول على الآية الملجئة أو المعقبة للعذاب، ولا يخفى أنّ الجواب حينئذ لا يكون مطابقاً للسؤال إلا أن يحمل على الأسلوب الحكيم، وقيل عليه عدم اعتدادهم بالمنزلة استدعاء للملجئة ومن لوازم جحد الملجئة الهلاك على عادته تعالى فالمطابقة ظاهرة وبهذا ظهر أن قوله أو آية إن جحدوها هلكوا ليس وجها مغايرا لما قبله، ولا يخفى أنه غير وارد، أما الأوّل فلأنه لا يلزم من عدم الاعتداد عنادأ وتعنتا طلب الملجئ إذ يجوز أن يكون لطلب غير الحاصل مما لا يلجئ لجاجا وعنادأ فالجواب بالملجئ حيحئذ يكودط من الأسلوب الحكيم، أو يكون جواباً بما يستلزم مطلوبهم بطريق أقوى، وهو أبلغ نعم ما ذكره له وجه وأما ما ذكره من عدم التغاير فينافيه العطف بأوفى كلام المصنف فالظاهر أنّ الآية الأولى ما يكون مهلكا بنفسه إن ليم يؤمنوا كالجبل المرفوع عليهم والثانية ما لم يمكن جحده وإن لم يكن مهلكاً بنفسه، وقوله أن الله بفتح الهمزة وفيه إشارة إلى مفعول علم المقدر واستجلاب البلاء شامل للتأويلين في الآية، وقوله والمعنى واحد لأنه لم ينظر هنا إلى التدريج وعدمه فلا ينافي أنه فرق بينهما في غير هذا المقام. قوله: (تدب على وجهها (بالدال المهملة إشارة إلى أنّ المراد به معناها اللغوي لا العرفي وخرج بقوله على وجهها ما يدب في جوفها ولو أبقى على عمومه كان أولى. قوله: (يطير بجناحيه) هو تصوير لتلك الهيئة الغريبة الدالة على القوّة الباهرة والمقام مقام بيان كمال قدرته، وتوله: بالرفع والعموم يستفاد حينئذ من الوصف فقط، وقوله في الهواء ممدود ومن ظنه مقصوراً فقدوهم. قوله: (وصف به الخ) للقوم كلام في أنّ هذا من قبيل الصفة أو التأكيد أو عطف البيان قال النحرير: والأوّل هو الوجه ولا ينافيه كونه يفيد التأكيد كما في قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} [سورة النحل، الآية: 51]

الصفحة 53