كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ونفخة واحدة وأمس الدابر وغيره وليس بين النحاة وأهل المعاني خلاف فيه كما قاله الطيبي، وقوله في التقريب أنهما صفتان دلالتهما على التخصيص أولى من التعميم ليس بشيء لأنّ التوكيد لا ينافي كونهما صفتين كما ذكرنا مع أنّ التعميم نوع من التخصيص كما صرّح به الطيبي وهو منزع حسن. قوله: (قطعاً لمجاز السرعة ونحوها) اختار بعض
المتأخرين أنّ وجه ذكره تصوير تلك الهيئة الغريبة الدالة على كمال القوّة والقدرة قال وقيل إنه لقطع مجاز السرعة، وقيل للتعميم ويرد عليهما إنه لو قيل ولا طائر في السماء لكان أخصر، وفي إفادة ذينك الأمرين من أظهر مع ما فيه من رعاية المناسبة بين القرينتين بذكر جهة العلوّ في إحداهما وجهة السفل في الأخرى، ورذ بأنه لو قيل في السماء يطير بجناحيه لم يشمل أكثر الطيور لعدم استقرارها في السماء، ثم إنّ قصد التصوير لا ينافي قطع المجاز والتعميم إذ لا مانع من إرادتها جميعا، وقطع مجاز الى ش عة لأنّ الطير أن يستعمل بمعنى السرعة كثيراً كما أنّ الطائر يستعمل مجازاً للعمل والنصيب كقوله طائره في عنقه فلما أكد ارتفع احتمال المجاز، وأما احتمال التجوّز وأنّ هذا ترشيح للمجاز فبعيد لا يلتفت إليه بدون قرينة ولم يذكر هذا في مقابله للإشارة إليه بقوله تدب الخ ولأنه يعلم بالعناية إليه ولأنّ التأكيد في هذا أظهر لكونه من لفظه مع ما ضم إليه من قوله بجناحيه، ولما كان المقصود من ذكرهما الدلالة على قدرته ببيان ما يعرفونه، ويشاهدونه من هذين الجنسين وشمول قدرته لهما وعلمه كان غيرهما غير مقصود بالبيان، ومن لم ينتبه لهذا ذكر هنا خرافات كاعتراضه بأنّ أمثال حيتان البحر خارجة عنهما وأجاب بإدخالها تارة في القسم الأوّل، لأنها تدب في الماء ودفعه بأن وصفه في الأرض ينافيه ورذه بأنّ المراد بها جهة السفل، ومقابل السماء وأخرى بإدخالها في الثاني لأنها تسبح في الماء كالسبح في الهواء وردّه بأنّ قوله يطير بجناحيه يدفعه وهذا كله مما ينزه عنه ساحة التنزيل ويبرأ منه لسان القلم لكنه ربما رآه خالي الذهن فظته شيئاً ومنهم من أورد العنكبوت، وأجاب عنه بما هو أوهى من بيوته. قوله: (أمثالكم) فإن قلت كيف يصح القصد إلى العموم الذي يفيده الوصف مع وجوب خروج المشبه به عنه قلت القصد أوّلاً إلى العامّ والمشبه به في حكم المستثنى بقرينة التشبيه كأنه قيل ما من واحد من إفراد هذين الجنسين بعمومها سواكم إلا أمم أمثالكم، ولك أن تدعي دخوله بوجه يظهر بالتأمّل، وقوله: (محفوظة الخ) يستفاد من التشبيه وقوله والمقصود الخ لأنه دال على ضبط أحوال المخلوقات وعدم إهمال شيء منها وهو يقتضي شمول القدرة وسعة العلم كما أشير إليه في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [سورة هود، الآية: 6، وقال الإمام المقصود أنّ عناية الله لما كانت حاصلة لهذه الحيوانات فلو كان إظهار آية ملجئة مصلحة ما مغ عن إظهارها وهذا معنى قول المصنف كالدليل الخ، وقيل إنها دليل على أنه قادر على البعث والحشر والأوّل أنسب، وفي رسالة المعاد لأبي عليّ قال المعترفون بالشريعة من أهل التناسخ إنه تعالى قال وما من دابة الآية وهذا هو الحكم الجزم بأنّ الحيوانات الغير الناطقة أمثالنا وليسوا أمثالنا بالفعل بل بالقوّة فجوّزوا حلول النفس الإنسانية في غيره وهو مذهب فاسد ودليل كاسد. قوله:) وجمع
الأمم للحمل على المعنى) أي معنى الجمعية المستفاد من العموم، وذصب السكاير إلى أنّ الوصف المذكور دال على أنه أريد بهما الجنس دون الإفراد، ولذلك قال إنّ القصد من لفظ دابة ولفظ طائر إنما هو إلى الجنسين تقريراً له على معناه الأصلي وتجريداً عما عرض له في الاستعمال باعتبار التنوين والتنكير وإذا كان القصد منهما إلى الجنسين، فلا إشكال في الأخبار عنهما بقوله إلا أمم أمثالكم، كأنه قيل وما من جنس من هذين الجنسين إلا أمم ولا شك أنّ الجنس مفهوم واحد فلا يتصوّر حينئذ كون الوصف مفيد الزيادة التعميم، وفي الكشاف المقصود بهذين الوصفين زيادة التعميم والإحاطة كأنه قيل وما من دابة قط في جميع الأرضين السبع وما من طائر قط في جوّ السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم قال الشريف قدس سرّه: توجيهه أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم لكن جاز أن يراد بها دواب أرض واحدة أو طيور جوّ واحد فيكون استغراقاً عرفيا فلما ذكر

الصفحة 54