كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

وصفان نسبتهما إلى دواب أفي أرض وطيور أي جوّ على السواء اتضح أنّ الاستغراق حقيقي يتناول دواب جميع الأرضين وطيور جميع الآفاق فظهر أنّ الوصفين يفيدان زيادة التعميم والإحاطة لكن يرد عليه أن النكرة المفردة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يصح الإخبار عنها بقوله أمم وكدّا لا يصح ذلك الأخبار، وان أريد بتلك النكرة النوع لأنّ كل نوع أمّة لا أمم وجوابه أنّ النكرة هاهنا محمولة على المجموع من حيث هو بقرينة الخبر، والى السؤال والجواب أشار في الكشاف وعليه المصنف أيضاً وبهذا التقرير تبين أنّ كلام الشيخين ليس بمتحد كما ذهب إليه كثير من شراح الكشاف وذهب فرقة منهم كالنحرير وصاحب الكشف إلى اتحادهما وأيده الفاضل الحفيد فقال وأنت خبير بأنّ زيادة من الاستغراقية لتأكيد العموم فيما يدخل عليه والإحاطة بأفراده نصا بحيث لا يحتمل غير ذلك عند أهل العربية جميعاً مع أنّ سوق الآية لبيان شمول قدرته لكل فرد للدابة والطائر كشمولها لإفراد الإنسان بلا تفاوت فمن حمل الوصف على بيان الجنس لم يرد الجنس مع عدم الصلوح للفردية بل قصد أنّ خصوص فرد أو نوع غير مقصود بل المقصود الجنس في جميع الإفراد إذ الوصف لا يختص بفرد أو نوع فالاستغراق حقيقيّ لا عرفيّ فبالضرورة مآل التوجيهين واحد بالإنصاف انتهى. وهو حق لا مرية فيه إلا مكابرة، ثم إنه بقي في كلام الشريف نظر من وجوه، الأوّل إنه ذكر أثي المراد من الجنس الماهية وإنه أمر واحد ثم ذكر إنه لا إشكالى في جمعية الخبر وهذان معنيان متنافيان مع أنّ دخول من يمنع من إرادة الماهية ولما استشعر هذا قال من متعلقه بالجنسية لا بكل واحد واحد وهو تكلف، الثاني أنه أورد على الزمخشري أنّ النكرة المفردة في سياق النفي تدلّ على كل فرد فرد وسلمه وهو وارد على السكاكي أيضا فكيف يخصه بمذهب الزمخشري، الثالث إنه قال إنّ النكرة هنا محمولة على المجموع من حيث هو، فإن أراد أنه لازم له فهو صحيح على المسلكين والا فكلام الزمخشري ناطق بخلافه، وهذا تحقيق المقام بما لا مزيد عليه وقد اغترّ بعضهم بكلام الشريف هنا فوقع فيما
وقع، وفي البحر الكبير أنّ هذا يقتضي أنه يجوز أن يقال لا رجل قائمون والقياس لا يأباه إلا أنه لم يرد إلا مع الفصل بينهما وهو كلام حسن. قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} التفريط التقصير وأصله أن يتعدّى بفي وقد ضمن هنا معنى أغفلنا وتركنا فمن شيء في موضع المفعول به ومن زائدة والمعنى ما تركنا في الكتاب شيئاً يحتاج إليه من دلائل الألوهية والتكاليف ويبعد جعل من تبعيضية والتقدير ما فرّطنا في الكتاب بعض شيء وان جوّزه بعضهم، هذا ما ارتضاه أبو حيان والزمخشرفي وعدل عنه المصنف رحمه الله لأنه لا يتعذى فجعل التقدير تفريطا فحذف المصدر وأقيم شيئا مقامه وتغ فيه أبا البقاء رحمه الله إذا اختار هذا وقال أنّ المعنى عليه لا على غيره فلا يبقى في الآية حجة لمن ظن أنّ الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء، ونظيره لا يضرّكم كيدهم شيئا أي ضيرا، وأورد عليه في الملتقط أنه ليس كما ذكر لأنه إذا تسلط النفي على المصدر كان منفياً على جهة العموم ويلزمه نفي أنواع المصدر ونفي جميع أفراده وليس بشيء لأنه يريد أنّ المعنى حينئذ أن جميع أنواع التفريط منفية عن القرآن وهو مما لا شبهة فيه ولا يلزمه أن يذكر فيه كل شيء كما لزم على الوجه الآخر حتى يحتاج إلى التأويل فقول المصنف رحمه الله من أمر الدين الخ إشارة إلى التأويل لا حاجة إليه مع اختيار هذا الوجه كما إن نفي تعديه لا يضرّ من قال إنه مفعول به على التضمين كما مرّ، وأمّا ما قيل إن فرط يتعذى بنفسه لما وقع في القاموس فرط الشيء وفرط فيه تفريطا ضيعه وقدّم العجز فيه وقصر فلا نسلم أنه يتعدى بنفسه وتفرد صاحب القاموس بأمر لا يسمع في مقابلة الزمخشري وغيره مع أنه يحتمل أنّ تعديته المذكورة فيه ليست وضعية بل مجازية أو بطريق التضمين المذكور، وقرئ " فرطنا! بالتخفيف وهو والمشدد بمعنى واحد، وقال أبو العباس: معنى فرطنا المخفف أخرنا كما قالوا فرط الله عنك المرض أي أزاله، وقوله:) أمر حيوان أو جماد (دخل فيه النبات لأنه جماد وإدخاله في الحيوان لنموه تعسف على أن مثله يراد به التعميم كثيراً، وقوله: (أو القرآن) قيل هو لا يلائم ما قبله وما بعده ويدفع بأنّ المعنى لم نترك شيئاً من الحجج وغيرها إلا ذكرناه فكيف

الصفحة 55