كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

يحتاج إلى آية أخرى مما اقترحوه ويكذب بآياتنا فالكلام بعضه آخذ بحجز بعض بلا شبهة. قوله: (مفصلاَ أو مجملاَ) يشير إلى أنّ ما ثبت بالأدلة الثلاثة ثابت بالقرآن لإشارته بنحو قوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [سورة الحشر، الآية: 2] إلى القياس وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أسورة الحشر، الآية: 7] إلى السنة بل قيل إنه بهذه الطريقة يمكن استنباط جميع الأشياء منه كما سأل بعض الملحدين بعضهم عن طبخ الحلوى أين ذكر في القرآن فقال في قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة الأنبياء، الآية: 7] وقوله: وقد عدى بفي يعني فلا ينصب مفعولاً به، وليس مراده أنه كيف يتعلق به المجرور بها وبحرف
بمعناها مرّة أخرى لأنه لا يدلّ عليه الكلام حتى يصحح بأنه من قبيل أكلت من بستانك من العنب كما توهم. قوله:) ثم إلى ربهم يحشرون يعني الأمم كلها) إن كان المراد بالأمم ما ذكر في النظم وهم من سوى الناس لجعلها أمثالاً لهم المستلزم للمغايرة، كما مرّت الإشارة إليه فضمير العقلاء لإجرائهم مجراهم في الحساب والحشر ولا يلزم تعميم الدابة وإلا لزم جعلهم مثالاً لأنفسهم، وان رجع إلى ذلك باعتبار إطلاقه صح، ويكون الجمع للتغليب، ويكون قوله كما روي الخ بياناً لإنصاف غير الناس بعضهم من بعض فإنه المحتاج للبيان، وما قيل بعد تعميم ضمير يحشرون المقصود إن من يضبط أحوال الدواب وأعمالها فينصف بعضها كما روي إنه يأخذ للجماء من القرناء (1 (ويجازيها كيف يهملكم سدى يريد به مآل الآية ومحصلها فلا يرد عليه أنّ أوّل كلامه يناقض آخره فتأمّل، وهو حديث صحيح رواه الشيخان. قوله:) فينصف بعضها من بعض) ترك قول الزمخشري فيعوّضها وينصف بعضها من بعض لابتنائه على مذهبه من أنّ التعويض لا يختص بالمكلفين والمختص الثواب، وهو منفعة مستحقة دائمة على وجه التعظيم والعوض منفعة مستحقة غير دائمة ولا مقترنة بالتعظيم فالحديث عنده استشهاد للتعويض والاتصاف جميعا، وبعضهم جعله للإنصاف فقط، وقوله: (للجماء الخ) الجماء التي لا قرن لها في رأسها ضد القرناء، وهو إشارة إلى حديث مسلم لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، قال ابن المنير رحمه الله: وليس هذا جزاء تكليف، ومن ذهب إلى أنّ البهائم والهوام مكلفة لها رسل من جنسها فهو من الملاحدة الذين لا يعوّل عليهم كالجاحظ، وقوله: (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) يعني أنّ قوله إلى ربهم يحشرون مجموعة مستعار على سبيل التمثيا! للموت كما ورد في الحديث: " من مات فقد تامت قيامته ") 2 (فلا يرد عليه أنّ الحشر بعث من مكان إلى آخر، وتعديته بإلى تنصيص على أنه لم يرد به الموت مع أن في الموت أيضا نقلاً من الدنيا إلى الآخرة. قوله: (لا يسمعون (إشارة إلى أنه تشبيه بليغ على القول الأصح في أمثاله ووجه الشبه عدم الانتفاع بما يقال. قوله: (خبر ثالث الخ) قيل الظاهر أنه واقع موقع عمى أي لا يرون آيات الله وكون في الظلمات حالاً أبلغ من كونه خبراً ثالثاً فإنه يفيد أن صممهم وبكمهم مقيد بحال كونهم في ظلمات الكفر حتى لو
أخرجوا منها لسمعوا ونطقوا ولا يحتاج إلى بيان وجه ترك العطف فيه دون أخويه، وتدّر خابطون ولم يقدر متعلقه عاما لأنّ المراد من الخبط التعسف في السير كخبط عشواء، وهو أنسب وأبلغ لأنّ السائر في الظلمة ربما اهتدى بصوت فإذا كانوا كلهم صما وبكما لم يكن اهتداء أصلاً، وذكر في جمع الظلمات وجهين أحدهما أنه باعتبار ملل الكفر وأنواعه، والثاني أنّ المراد ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد في الباطل، وأعلم أنّ للعلماء في إعادة الحيوانات ومحاسبتها قولين أشار إليهما المصنف رحمه الله فقيل إنه على ظاهره فيخلق فيهم عقولاً ويحاسبهم وينصف بعضهم من بعض ثم يعيدهم ترابا، وقيل: إنه تمثيل لعموم عدله ولا إعادة ولا حساب كما في سراج الملوك. قوله: (من يشا الله يضلله) هو دليل لأهل السنة على أنّ الكفر وغيره بإرادته تعالى، وأن الإرادة لا تتخلف عن المراد وقدمه لأنّ هذا محل الخلاف بيننا وبينهم ولو أخره لكان له وجه، وقوله: بأن يرشده إلى الهدى بيان لوجه التقابل بينه وبين قوله يضلله، ثم لم يكتف به، وقيده بقوله يحمله عليه لأنّ الإرشاد إلى الهدى عامّ للكل ولما كانت الآية دليلاً ظاهراً لأهل السنة أوّلها في الكشف بقوله يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به لأنه ليس من أهل اللطف، ومن يثأ يجعله على صراط مستقيم أي يلطف به لأنّ اللطف يجدي عليه، وقوله من يشأ الله إضحلاله يشير إلى مفعوله

الصفحة 56