كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

أو الساعة ويتوجه السؤال غاية الأمر أنه على الأوّل أظهر وليس كذلك لأنه إذا كان كلاما منقطعا لا يلزم أن يقدر ما ذكر بل ما يمكن كشفه بقرينة قوله: فيكشف فلا يرد ما ذكره، ثم إنّ المصنف رحمه الله جرى على احتمال عدم التقدير وأنه يتعلق بالآخرة وأشار إلى جوابه قال العلامة في شرح الكشاف وفي هذا الجواب ضعف لأنّ قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية. 48] ليس معناه أنه لا يغفر إن لم يشأ حتى إن شاء غفر والا لم يكن بين الشرك وغيره فرق ويمكن أن يفرق بأن المغفرة في غير الشرك مشروطة بمشيئة محققة لأنها صلة في قوله لمن يشاء اهـ أي وهذا مشروط بمشيئة بخلاف لك لاقتضاء الحكمة له، ولقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 48] وبديتم الجواب فتأمّل. قيل ولو جعل مفعول المشيئة نفس الكشف كما هو المعروف في أمثاله ثم قيده بالتفضل كان أولى، وفيه نظر. قوله:) وتنسون الخ) بين أوّلاً أنه مجاز عن الترك، وثانيا أنه لشدة الهول ينسونهم فيكون حقيقة ولا يلزم أن ينسى الله لأنّ المعتاد فيها أن يلهج بذكره وينسى ما سواه ومن في من قبلك زائدة بناء على جواز زيادتها في الإثبات المصنف لم يرتضه في غير هذا الموضع، وقيل بمعنى في وقيل
ابتدائية ورجحه بعض النحاة. قوله: (لما ركز في النقول الخ) أي لأجل ذكر الله أو دعائه المركوز في العقول أو لمركوزية الله تعالى في العقول على هذه الصفة أو لمركوزية ذكره بناء على هذا، وعلى هذين فما مصدرية، وقوله: على أنه القادر الظاهر من أنه القادر. قوله: (فكفروا وكذبوا) فالفاء فصيحة والزمخشري قدّر كذبوا فقط وهو أولى، وقوله: صيغتا تأنيث لا مذكر لهما أي لا مذكر لهما على أفعل كأحمر وحمراء كما هو القياس فإنه لم يقل أضرّ وأبأس صفة بل للتفضيل فإنّ البأس والضرّ مصدران وقوله يتذللون تفسير له لأنه من الضراعة وهي التذلل وعند المصائر يخشع المرء ويلين قلبه. قوله: (معناه نفي تضرّعهم) ذهب الهروي إلى أن لولا تكون نافية حقيقة بمنزلة لم وجعل منه فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الأقوم يونس والجمهور حملوه على التوبيخ والتنديم، وهو بعيد الترك وعدم الوقوع ولذا ظهر الاستدراك والعطف بلكن فيفيد إنهم لا عذر لهم فيه واليه أشار المصنف بقوله مع قيام ما يدعوهم وليست لولا هنا تحضيضية، كما توهم لأنها تختص بالمضارع وهو معنى آخر غير التوبيخ كما في المغني. قيل ولو قال وعدم المانع لكان أولى لأنّ مجرّد وجود الداعي بدون عدم المانع غير كاف لاستحقاق التوبيخ. قوله: (أي لم يتضرّعوا ولكن الخ) قيل لأنه لما كان التضرّع ناشئاً من لين القلب كان نفيه نفيه، وقيل كان الظاهر أن يقال لكن يجب عليهم التضرّع فعدل إلى ما ذكر لأنّ قساوة القلب التي هي المانع تشعر بأنّ عليهم ما ذكر فكأنه قيل لكن يجب التضرّع، وقيل إنما حمل على قصد النفي دون التنديم ليحسن الاستدراك، وهذا معنى قوله استدراك على المعنى وقوله ولم يتعظوا بيان للمراد من النسيان هنا. قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فإن قلت قد أسند الله هنا التزيين إلى الشيطان وأسنده إلى نفسه في قوله وكذلك زينا لكل أمّة عملهم، فهل هو حقيقة فيهما أو في أحدهما قلت وقع التزيين في النظم في مواضع كثيرة، فتارة أسنده إلى الشيطان كالآية الأولى وتارة إلى نفسه كالثانية وتارة إلى البشر كقوله: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 137] في قراءة، وتارة مجهولاً غير مذكور فاعله كقوله: {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} [سورة يون! ، الآية: 12] لأنّ التزيين له معان يشهد بها الاستعمال واللغة أحدها إيجاد الشيء حسنا مزينا في نفس الأمر كقوله: {زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا} [سورة الصافات، الآية: 6] والثاني جعله مزينا من غير إيجاد كتزيين الماشطة العروس، والثالث جعله محبوبا للنفس مشتهى للطبع وان لم يكن في نفسه كذلك فهذا إن كان بمعنى خلق الميل في النفس والطبع لا يسند إلا إلى الله كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4] قال المصنف في تفسيرها زينا لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلناها مشتهاة بالطبع محبوبة للنفس يعني والله هو الفاعل لهذا حقيقة لإيجاده له، ولغة ونحوأ لاتصافه بخلقه وإن كان بمجرّد تزويره وترويجه بالقول وما يشبهه كالوسوسة والإغواء كما أفصح عنه تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} [سورة الحجر، الآية: 39] فهذا لا يسند إلى الله حقيقة وإنما يسند إلى الشيطان أو البشر كما مرّ، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله في تفسير قوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}

الصفحة 59