كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

وحديث الاستدراج لا يدفعه لأنه يفيد الصحة اجتماع الفتح مع النسيان لا سببيته له فلا بذ من قبل الجمهور من الجواب انتهى. (قلت اللنحويين في لما مذهبان الأوّل أنها حرف وجود لوجود أو وجوب لوجوب، والثاني أنها ظرف بمعنى حين، وقال ابن مالك: بمعنى إذ وهو حسن لاختصاصها بالماضي والإضافة إلى الجمل، وردّ ابن خروف الظرفية بنحو لما أكرمتني أمى أكرمتك اليوم لأنها لو قدرت ظرفا كان عاملها الجواب والواقع في اليوم لا يكون في الأمس، وأوّله القائلون به بنحو لما ثبت إكرامك كما أوّل إن كنت قلت غير المبرد، وعلى كلا القولين ففيها معنى الشرطية وإنما الخلاف في حرفيتها واسميتها فلا بد من تأويل الآية بأنّ النسيان سبب للاستدراج المتوتف على فتح أبواب الخير وسببيته شيء لآخر تستلزم سببيته لما يتوقف عليه فاندفع الاعتراضى أو الجواب ما ذكر باعتبار ماله ومحصله وهو ألزمناهم الحجة ونحوه كما أشار إليه المصنف وتسببه عنه ظاهراً وإنه مسبب عنه باعتبار غايته وهو أخذهم بغتة، وقوله كل شيء المراد به التكثير لا التعميم والإحاطة وهو مستعمل بهذا المعنى كما مرّ وقوله ولم يتعظوا إشارة إلى أنّ النسيان مجاز عت الترك وعدم العمل والاتعاظ كما مرّ نحوه. قوله:) مراوحة عليهم الخ (بالراء والحاء المهملتين أي مناوبة من قولهم راوج بين العملين إذا عمل هذا مرّة وذاك أخرى كأنه يروج إلى أحدهما بعد الآخر أو يستريح إليه كما يفعل الأب المشفق بابنه في الملاينة والمخاشنة ليصلح حاله فعلى الوجه الأوّل هذا للتأديب وعلى الثاني للاستدراج، قال النحرير: والوجه هو الثاني، والأوّل مبنيّ على الاعتزال فتأمّل، وقوله:) أو مكراً بهم) أي استدراجا قال الراغب مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أغراض! الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. قوله:
(لما روي الخ) قال السيوطي: لم أقف عليه مرفوعاً إنما هو من تول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بزيادة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا لكن روى أحمد والطبرانيئ والبيهقيّ في شعب الإيمان من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: " إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما هو استدراج " (1 (ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية والتي بعدها، وقوله: (ورت الكعبة) قسم يعني أنه لما سمع قوله تعالى فتحنا عليهم الخ أقسم إنما هو للمكر والاستدراج بهم مؤيد للتفسير الثاني. قوله: (وقرا ابن عامر الخ) قرأها الجمهور هنا مخففة وابن عامر مثقلة للتكثير، وقرأ ابن عامر أيضا في الأعراف لفتحنا، وفي القمر ففتحنا بالتشديد، وكذا قرئ فتحت يأجوج ومأجوج والخلاف أيضاً في فتحت أبوابها في الزمر في الموضعين وفتحت السماء في النبأ، فإنّ الجماعة وافقوا ابن عامر على تشديدها ولم يخففها إلا الكوفيون فقد جرى على نمط واحد في هذا الفعل، والباقون شدّدوا في المواضع الثلاثة المشار إليها وخففوا في الباقي جمعاً بين اللغتين هذا تحقيق النقل فيه وفي كلام المصنف رحمه الله إجمال تفصيله هذا. قوله: (أعجبوا) مبنيّ للفاعل من قولهم أعجبني هذا الشيء وأعجبت به وهو شيء يعجب إذا كان حسناً جدا كذا في تهذيب الأزهريّ أو مبنيّ للمفعول من قولهم أعجب إذا زهى وتكبر، وقوله: (والقيام بحق (أي حق المنعم وهو الشكر وقوله: (ولم يزيدوا على البطر) أي غاية الفرج والنشاط المفرطين وزاد الواو على عبارة الكشاف لما فيه من إيهام إنه جواب. قوله: (فإذا هم مبلسون الخ (إذا هي الفجائية وفيها ثلاثة مذاهب مذهب سيبويه رحمه الله تعالى إنها ظرف مكان ومذهب جماعة منهم الرياشي إنها ظرف زمان ومذهب الكوفيين إنها حرف فعلى تقدير كونها ظرف زمان أو مكان الناصب لها خبر المبتدأ أي أبلسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها، والإبلاس له ثلاثة معان في اللغة جاء بمعنى الحزن والحسرة واليأس وهي معان متغايرة، وقال الراغب والإبلاس الحزن المعترض من شذة اليأس، ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته، وأيس وشس بمعنى، واليأس معروف. قوله: (بحيث لم يبق الخ (إشارة إلى أنه كناية عن الاستئصال لأنّ ذهاب آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله وهو من دبره إذا تبعه فكان في دبره أي خلفه فالدابر ما
يكون بعد الآخر ويطلق عليه تجوّزاً، وقال أبو عبيد: دابر القوم آخرهم وقال الأصمعي: الدابر الأصل ومنه قطع الله دابره أي أصله. قوله: (نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها) قال في الكشاف: فيه إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة فهو عنده إخبار بمعنى الأمر تعليما للعباد قيل ويحتمل أنه تعالى حمد نفسه على هذه النعمة الجليلة وجعل المصنف رحمه الله الحمد على هلاك الظلمة، وبين أنه نعمة باعتبار ما ذكره، وفي الانتصاف ونظير الأوّل قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [سورة الشعراء، 1 لآية: 173] قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى فيمن وقف هاهنا وجعل الحمد على إهلاك المتقدم ذكرهم من الطاغين، ومنهم من وقف على المنذرين وجعل الحمد متصلا بما بعده من إقامة البراهين على وحدانيته تعالى وأنه جل جلاله خير مما يشركون، فعلى الأوّل يكون

الصفحة 61