كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الحمد ختما، وعلى الثاني فاتحة وهو مستعمل فيهما شرعا ولكنه في آية النمل أظهر في كونه مفتتحا لما بعده وفي آية الأنعام ختم لما تقدمه حتماً إذ لا يقتضي السياق غيره. انتهى، وقوله: أصمكم وأعماكم يعني أخذهما مجاز عما ذكر لأنه لازم له وفيه دليل على بقاء العرض زمانين لأنّ الأخذ لا يكون إلا للموجود وهو كلام حسن. قوله: (أي بذاك) إشارة إلى ما مرّ تحقيقه في سورة البقرة في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] من أنّ اسم الإشارة المفرد يعبر به عن أشياء عدّة وأن الضمير قد يجري مجراه لكنه في اسم الإشارة أشهر وأكثر في الاستعمال فلذا تأوّل الضمير به ولذا قال رؤبة في تفسير قوله:
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلدتوليع البهق
أردت كان ذاك ففسر الضمير الراجع إلى ما تقدم باسم الإشارة قال الزمخشري: والذي حسن منه أن أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليس على الحقيقة وكذلك الموصولات ولذا جاء الذي بمعنى الجمع ومن غفل عن هذا قال إنّ هذا التأويل يجري في الضمير من غير حاجة إلى تأويل باسم الإشارة، وفي مجالس! النحاس إنه قيل لرؤبة ألا تقول كأنها فتحمله على الخطوط أو كأنهما فتحمله على السواد والبلق فغضب وقال كان ذاك بها توليع البهق فذهب إلى المعنى والموضع انتهى، ويحتمل إنه يريد أنه أفرد مراعاة للخبر لأنّ التوليع اجتماع لونين ولفظه مفرد ومعناه مثنى فتامّل، وأما قول بعضهم فإن قيل ما وجه اعتبار اسم الإشارة واقامة الضمير مقامه قلت للأشعار بأنّ الأمور المذكورة أمور ظاهرة فيكون الاحتجاح بها آكد فنا شيء من قلة التدبر. قوله: (أو بما أخذ وختم) يعني ضمير به راجع إلى المأخوذ والمختوم عليه الذي في ضمن ما مرّ لأنه بمعنى المسلوب منكم كما نقل عن الزجاج، وليس في الكلام ما
الموصولة لا ملفوظة ولا مقدرة حتى يقال في تفسيره إنّ الضمير على ظاهره لأن ما وان كان متعدّد المعنى مفرد اللفظ كما توهم وأمّا الوجه الثالث فظاهر وأما جعله راجعا إلى السمع وجعل ما بعده داخلاً معه في القصد فبعيد. قوله: (انظر كيف نصرّف الآيات الخ) انظر يفيد التعجب أيضاً مثل أرأيت وتصريف الآيات تكريرها على أنحاء مختلفة كتصريف الرياج، ثم إنّ المراد إمّا مطلق الدلائل أو الدلائل القرآنية مطلقا أو ما ذكر من أوّل السورة إلى هنا أو ما ذكر قبل هذا ذهب إلى كل بعض من أرباب الحواشي فلذا قيل هي المقدمات العقلية الدالة على وجود الصانع وتوحيده المشار إليها بقوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ} الآية وأمّا الترغيب فبقوله فيكشف ما تدعون إليه، وأمّا الترهيب فبقوله: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 46] الخ وبمكن أن يؤخذ في ضمن قوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ} فيكونان مذكورين في ضمن المقدمات العقلية وأمّا التنبيه والتذكير فبقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ} [سورة النحل، الآية: 63] الخ وقيل غير ذلك، وقوله بعد تصريف الآيات وظهورها تقرير لكون ثم للاستبعاد كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [سورة الكهف، الآية: 57] وأنّ تعريف الآيات للعهد كما مرّ. قوله: (من غير مقدمة) أي إمارة متقدمة يعني بغتة من حيث الظاهر لا يقابل جهرة لأنّ مقابل الجهرة الخفية لكن لما كان معنى بغتة وقوع الأمر من غير شعور، فكأنها في معنى خفية حسن أن يقابل بها كما في شروح الكشاف وليس المراد أنه مجاز أو استعارة بل إنه لما قرب أحدهما من الآخر صح مقابلته به ومثله كثير كما وقع في الحديث " بشروا ولا تنفروا " (1 (ومقابل التبشير الإنذار لا التنفير فمن قال إنّ البغتة استعارة للخفية بقرينة مقابلة الجهرة وانها مكنية من غير تخييلية بل بقرينة المقابلة المذكورة، وهذه الاستعارة لم يذكرها أهل المعاني تعسف بما لا حاجة إليه، ولا يخفى ما فيه وأنه يلزمه أن يصح بل يحسن النور خير من الجهل على أنّ الجهل استعارة للظلمة بقرينة مقابلته بالنور، ومثله يمجه الذوق السليم، وفي بعض التفاسير لما كانت البغتة هجوم الأمر من غير ظهور إمارة وشعور به تضمنت معنى الخفية فصح مقابلتها بالجهرة، وبدأ بها لأنها أرح من الجهرة وإنما لم يقل خفية لأنّ الإخفاء لا يناسب شأنه تعالى وهو بيان لنكتة ترك المقابلة، وليس المراد بقوله تضمنت معنى الخفية إلا أنها مثلها في
عدم الشعور أي تضمنت ما في الخفية من ذلك المعنى ولو لم يرده لتناقض أوّل كلامه وآخره فمن اعترض عليه بأنّ البغتة ليست هنا

الصفحة 62