كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

من قبيل الخفية حقيقة لأن الإتيان وان كان بغتة على سبيل الجهر لا على سبيل الخفية كما توهمه ابن كمال لم يقف على مراده.
قوله: (وقرئ بنتة أو جهرة) يعني بفتح الغين والهاء على أنهما مصدران كالغلبة، وقال
ابن جني في المحتسب قرأ سهيل بن شعيب السهمي جهرة وزهرة في كل موضع محرّكا، ومذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح أنه لا يحرّك الأعلى أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر والحلب والحلب والطرد والطرد ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا قياسا مطردأ كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم، وكذا سمعت من عامّة عقيل وسمعت الشجري يقول أنا محموم بفتح الحاء وليس في كلام العرب مفعول بفتح الفاء وقالوا اللحم يريدون اللحم، وسمعته يقول تغدوا بمعنى تغدوا وليس في الكلام تفعل بفتح الفاء، وقالوا سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلا اهـ وهي فائدة ينبغي حفظها ومنه تعلم حال بغتة وقرئ بالواو العاطفة. قوله: (ما يهلك الخ) يشير إلى أنّ الاستفهام في معنى النفي ولذا صح وقوع الاستثناء المفرغ بعده لأنّ الأصل فيه النفي وليس المراد أنّ هل نافية حقيقة لأنّ أرأيت بعده الاستفهام في الجملة، وقوله: هلاك سخط وتعذيب توجيه للحصر بتقييد الهلاك بما يتبادر منه والا فقد يهلك غيرهم لكنه رحمه منه ليجازيهم على ما ابتلاهم به بالثواب الجزيل. قوله: (ولذلك الخ) أي لكون المراد بالاستفهام النفي أو لأنّ المراد هلاك سخط وتعذيب صح الاستثناء المفيد للحصر لأنّ غير الظالمين يهلك كما مرّ قيل والمسألة نحوية لأنه في الاستثناء المفرّغ يقدر العموم بما يقدر في الإثبات بالنفي وفيما لم يقدر يجوز بالإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة إذ يصح قرأت كل يوم إلا يوم الجمعة، وهاهنا يصح هلاك الظالمين إلا أنّ المعنى هاهنا على النفي لا إنه لولاه لم يصح الاستثناء المفرغ، وهذا منه بناء على تعين الاحتمال الثاني عنده. قوله: (1 لا مبشرين ومنذرين الخ (التخصيص لأنّ الجنة أعظم ما يبشر به، فلذا يتبادر من الإطلاق كما في العشرة المبشرة والنار أعظم ما ينذر به فلا يقال الأولى التعميم، وهما حالان مفيدان للتعليل أي لأجل التبشير والإنذار وأشار إليه المصنف بقوله ليقترج والاقتراج طلبهم الآيات والتلهي السخرية يقال تلهى به إذا سخر وتلعب وهذا إشارة إلى ارتباط هذه الآية بقوله: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} [سورة العنكبوت، الآية: 50] وقوله ما يجب إصلاحه أي الإتيان به على وفق الشريعة أي
إصلاحه على الوجه المشروع في إخلاص العبادة وعدم الشركة فعلى متعلقة بإصلاح. قوله: (جعل العذاب ماساً) يعني نسبة المس إليه وجعله فاعلا له يشعر بقصد الملاقاة من جانبه وفعله وان لم يتعين ذلك، فما أورد عليه من أنّ المس ليس من خواص الإحياء حتى يلزم ما ذكر وإنما هو تلاقي الجسمين من غير حائل بينهما يمكن دفعه بالعناية فعلى ما ذكره المصنف فيه استعارة تبعية وجوّزها الطيبي، وفي الكشاف جعل العذاب ماساً كأنه حيّ يفعل بهم ما يريد، وفي البحر أنّ المماسة تشعر بالاختيار والعرض لا اختيار له ومراد العلامة أنه وصف العذاب فيه بوصف المعذب مبالغة كشعر شاعر وهو مبنيّ على قاعدة الاعتزال وعند أهل السنة لا مانع من أن يخلق الله فيها حياة واحساسا وقوله: (واستغنى) يعني حيث لم يقل العذاب الأليم أو العظيم ونحوه لأنّ تعريف العهد يفيد ما ذكر. قوله: (بسبب خروجهم الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأصل معنى الفسق لغة الخروجي قال فسق الرطب إذا خرج عن قشره، ويقال لمن خرج عن حظيرة الشرع مطلقا بكفر أو غيره وأكثر ما يقال لمن خرج عن التزام بعض الأحكام لكنه غير مناسب هنا، ولذا فسره بمعنى يشمل الكفر لأنّ تعذيب الكافر بغير الكفر من ذنوبه وان صح لكن لا ينبغي أن يقال عذب الله الكافر بترك الصلاة مثلاً. قوله: (مقدوراته الخ) يعني الخزائن جمع خزينة أو خزانة وهي ما يحفظ فيه الأشياء النفيسة إما مجاز عن المقدورات أو هو بتقدير مضاف أي خزائن رزقه، وظاهر قول الزمخشري خزائن الله هي قسمه بين الخلق وأرزاقه أنّ الخزائن يحتمل أنه مضاف لمقدر، ويحتمل إنه مجاز عن المرزوقات من إطلاق المحل على الحال أو اللازم على الملزوم وكلام المصنف يحتمله وقيل إنّ التجوّز أولى لأنه لا بذ على التقدير من التجوّز أيضا فتأمّل. قوله: (ما لم يوح إلئ ولم ينصب عليه دليل (ما إما بدل من الغيب، أو عطف بيان مفسر له فإنه

الصفحة 63