كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الذي لا يطلع عليه وفي قوله لم ينصب الخ إشارة إلى جواز اجتهاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما في كلام المصنف رحمه الله موصولة وجوّز جعلها مصدرية زمانية فالغيب عام مقيد بمدة عدم الإيحاء ونصب الدليل. قوله: (وهو من جملة المقول) هنا قولان ومقولان أي قل وأقول وكلام المصنف محتمل فيحتمل أنه أراد أنه من جملة مقول قل كما قيل إنه من مقول قل لا أقول ولذا احتيج إلى إعادة أقول في قوله: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فإنه على تقدير العطف على عندي خزائن الله لا حاجة إلى إعادته وإنما لم يكتف فيه بنفي القول للفرق بينه وبين قرينيه، وهو إنّ مفهومي عندي خزائن الله واني ملك معلومان عند الناس فلا حاجة إلى نفيهما إنما الحاجة إلى نفي ادعائهما تبرأ عن دعوى الباطل بخلاف مفهوم لا أعلم الغيب فإنه كان مجهولاً لا عندهم بل كان الظاهر من حاله عدم الاطلاع
عندهم على الغيب، ولذا نسبوه إلى الكهانة فالحاجة هنا إلى نفيه، ثم إنّ هذا النفي تضمن الجواب عن قولهم إن كنت رسولاً فأخبرنا بما يقع في المستقبل لنستعدّ له، ونفي دعوى الملكية تضمن جواب ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق اوو، ويحتمل أنه مقول أقول لأقل، ولذا قيل لو قال المصنف رحمه الله من جملة ما لا يقولى كان أوضح وكلمة لا حينئذ في لا أعلم مذكرة للنفي لا نافية ولم يجعل من مقول قل لأنّ المقصود نفي دعوى علم الغيب ودعوى مالكية خزائن الله ليكونا شاهدين على نفي دعوى الألوهية، وبهذا اندفع ما قيل على هذا الوجه من أنه يؤدّي إلى أنه يصير التقدير، ولا أقول لكم لا أعلم الغيب وهو غير صحيح ف! نه لا وجه لعدم صحته ولله درّ المصنف حيث أتى بما يشملهما على الحصر، ولا يخلو من مخالفة للظاهر في الجملة، وعند التأمّل لكل وجهة ولذا قال النحرير: إنه من جملة القول في الواقع ومحمول على هذا المعنى البتة لأنه لا فائدة في الإخبار بأني لا أعلم الغيب، وإنما الفائدة في الإخبار بأني لا أقول ذلك ليكون نصا لادّعاء الأمرين اللذين هما من خواص الإلهية ليكون المعنى إني لا أذعي الإلهية ولا الملكية ويكون تكرير لا أقول إشارة إلى هذا المعنى وكان المصنف رحمه الله أجمل في قوله المقول لجوازهما عنده وزعم السفاقسي أن كلام الزمخشريّ محتمل لهما أيضا فتأمّل. قوله: (من جنس الملانكة) قيل هو إشارة إلى ما ذكره أبو عليّ الجبائيّ من أنّ هذه الآية تدل على أفضلية الملائكة لأن المعنى لا أدّعي منزلة أقوى من منزلتي وقال القاضي عبد الجبار: إن كان الغرض! من النفي التواضع فالأقرب لزوم الأفضلية، وان كان نفي القدرة على أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة فلا وهو الأليق بالمقام، ولو سلم فتكفي الأفضلية بزعم المخاطبين، وعليه يتنزل كلام المصنف ويخرج عما في الكشاف من النزغة الاعتزالية قيل، وهو على الأوّل حقيقة وعلى الثاني مجاز مرسل عن القادر على أفعالهم أو تشبيه بليغ، وفيه نظر لأنّ المقصود نفي الملكية لا نفي شبهها فتأمّله. قوله: (تبرّأ عن دعوى الإلهية والملكية (وفي نسخة الألوهية جعل مجموع قوله: {عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} عبارة عن نفي الألوهية لأنّ قسمة الأرزاق بين العباد ومعرفة علم الغيب مخصوصان به تعالى ولذا كرّر في الملكية لفظ ولا أقول وتيل على الزمخشري إذ ذكر هذا بعينه إنه يهدم قاعدة استدلاله في قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [سورة النساء، الآية: 172] ، على تفضيل الملك على البشر لأنّ الترقي لا يكون من الأعلى إلى الأدنى يعني من الألوهية إلى الملكية، ولا هدم لها مع إعادة لا أقول الذي جعله أمراً مستقلا كالإضراب، إذ المعنى لا أذعي الألوهية بل ولا الملكية ولذا كرّر لا أقول، وقيل مقام نفي الاستنكاف ينتفي فيه أن يكون المتأخر أعلى لئلا يلغو ذكره في مقام نفي الادعاء بالعكس فإن من لا يتجاسر على دعوى الملكية أولى أن لا يتجاسر على دعوى الإلهية الأشذ استبعاداً وأورد على هذا أنّ المراد لا أملك أن أفعل ما أريد مما تقترحونه وليس المراد التبري عن دعوى الإلهية، والا لقيل لا أقول لكم إني إله كما قيل ولا أقول لكم إني ملك وأيضا في الكناية عن
الألوهية بعندي خزائن الله ما لا يخفى من البشاعة بل هو جواب عن اقتراحهم عليه صلى الله عليه وسلم أن يوسع عليهم خيرات الدنيا، وقيل في دفعه وجه التبري أنّ قوله تعالى لا أقول في قوّة قول الرسول لا أقول لعدم توقفه في الامتثال وليس

الصفحة 64