كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

إضافة الخزائن إلى الله تعالى منافيا لهذه الكناية لأنّ دعوى الإلهية ليس دعوى أن يكون هو الله بل شريكا له في الإلهية، وفيه نظر لأنّ إضافة الخزائن إليه تعالى اختصاصية فتنافي الشركة إلا أن يكون المعنى خزائن مثل خزائن الله أو تنسب إليه، فتأمّل. قوله: (رذا لاستبعادهم الخ) يعني أنه بعد نفي الإلهية والملكية ألزمهم بالحجة العقلية على ما ادّعاه لأنّ حاصله أني عبد ممتثل أمر مولاه ويتبع ما أوحاه وأي عقل ينكر مثله كما يشير إليه قوله أفلا تتفكرون أي في أنّ اتباع ذلك لا محيص عنه ولذا قال اتبع ما يوحى إليّ، ولم يقل إني نبيّ، أو رسول تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم والجاما لهم بالحجة وليس في كلامه نفي لتفضيل الملك بوجه من الوجوه كما قيل، ودفعه ما قدمناه وحاصل الردّ أنّ هذه دعواي وليست مما يستبعد إنما المستبعد إدعاء الإلوهية أو الملكية ولست أدّعيهما على أنّ مجرّد نفي هاتين لا يستلزم نفي الاستبعاد لجواز أن يذعي أمراً آخر مستبعداً. قوله: (للضال الخ) ذكر فيه ثلاثة وجوه مبناها على أنه تذييل لما مضى من أوّل السورة إلى هنا أو لقوله إن اتبع الخ أو لقوله لا أقول الخ والأوّل هو الوجه عندهم، ثم الثاني، وقوله: في تفسير قوله أفلا تتفكرون فتهتدوا الخ لف ونشر ناظر إلى هذه التفاسير على الترتيب فقوله تهتدوا راجع إلى الأوّل، وقوله: أو فتميزوا إلى الثاني، وقوله: أو فتعلموا إلى الثالث، والأفعال في عبارته منصوبة في جواب الاستفهام وقيل إنه غير مرتب وهو تكلف، وقابل المستحيل بالمستقيم كما قابله سيبويه بالمحال وكذا قال المتنبي:
كأنك مستقيم في محال
وهو استعمال العرب لأنّ أصل المحال من أحاله عن وجهه، وصرفه وهو في المحسوسات عين الاعوجاج ومن لم يعرفه اعترض عليه بأنّ الظاهر أن يقول:
كأنك مستقيم في اعوجاج
فالمستقيم هنا بمعنى الممكن، وفي بعض النسخ فتميزوا على أنه من تتمة تهتدوا وقوله:
أو فتعلموا ناظر إلى الأخيرين، وفي نسخة فتعلمون والأولى أولى. قوله: (كالألوهية والملكية (فإن قيل دعوى الملكية من الممكنات أي من دعوى الأمور الممكنة لأنّ الجواهر متماثلة يجوز أن يقوم بكلها ما يقوم ببعضها ولهذا ما قيل لآدم جمم ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين أقدم على اكل طمعا في الملكية مع أن النبيّ لا يطمع في
المحال، قلت أجاب عته شراح الكشاف بأنّ المقدمات على تقدير تمامها، إنما تفيد إمكان أن يصير البشر ملكا وأما أن يكون ملكا فلا لتمايزهما بالعوارض المتنافية بلا خلاف، وهذا كما قالوا إنّ كلا من العناصر يجوز أن يصير الآخر لا أن يكون، وعلى هذا ينبغي أن يحمل طمع آدم عليه الصلاة والسلام لو سلم كونه نبيا عند اكل، أو أنه لم يطمع في الملكية بل في الخلود، وقوله: (وجزمهم على فساد مدعاه) ضمنه معنى الحرص فلذا عداه بعلى فإن قلت: لم قال خزائن الله ولم يقل: لا أقدر على ما يقدر عليه الله قلت لأنه أبلغ لدلالته على إنه لقوّة قدرته كأنّ مقدوراته مخزونة حاضرة عنده. قوله: (المفرّطون) بتشديد الراء قيده به لأنه المناسب للإنذار ولقوله: لعلهم فخص بالذكر هؤلاء لأنهم الذين ينفعهم الإنذار ويقودهم إلى التقوى وليس المراد الحصر حتى يرد أنّ إنذاره لغيرهم لازم أيضا وقوله أو متردداً عطف على مقرّاً لأنه كافر أيضا وقوله: فإنّ الإنذار الخ بيان لوجه التخصيص، وينجع مضارع نجع كنفع لفظاً ومعنى، وأصله من نجع الدواء في المريض إذا أثر في برئه، والمراد بالفارغين منكر والحشر لأنّ أذهانهم خلت عن اعتقاده أو لأنهم فرغوا عن تداركه، وقوله لكي يتقوا بيان لمحصل المعنى لا إن لعل بمعنى كي، فإن المصنف لم يرتضه في كتابه هذا، وقد مرّ تفصيله وتحقيقه، وقوله في موضمع الحال لأن مجرّد الحشر لا يخاف ما لم يكن على هذه الحال، وفي الكشاف هنا كلام طواه المصنف لابتنائه على الاعتزال. قوله: (أمره بإكرام المتقين الخ (لأنّ النهي عن الشيء أمر بضده فالنهي عن طردهم كالأمر بتقريرهم وقوله: ترضية يقال رضاه بالتشديد كما يقال أرضاه، وقوله: هؤلاء الأعبد جمع عبد وقالوه تحقيرا لهم لأنهم موال مسهم الولاء والرق وليس تشبيها بالعبيد في الخرقة والحرفة كما قيل، أما عمار بن ياسر المذحجي رضي الله عنه فولاؤه مشهور، وأما صهيب بن سنان رضي الله عنه ويعرف بالرومي فهو نمريّ من العرب لكن أسره الروم وهو

الصفحة 65