كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ليس عليك بل علينا ليكون كقوله تعالى: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي} [سورة الشعراء، الآية: 13 ا] لأنّ المقصود دفع قدح المشركين في فقراء المؤمنين وهو بمجرد إن
حسابهم إلا على الله لا عليك ولا دخل للثانية فيه وجعلها للتأكيد ينافي العطف كما ذكره العلامة في شرح الكشاف وأما وجه أخذ إن. حسابهم عليهم من النظم، فهو إنه كان أصله عليك حسابهم على أنه تصر قلب فإذا نفي ذلك لزم ثبوت عكسه، ولا حاجة إلى اعتبار النفي أولاً ثم اعتبار الحصر ليفيد حصر انتفاء حسابهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فيلزم كون حسابهم على أنفسهم لا على النبيئ صلى الله عليه وسلم، وتفسير حساب الرزق بالفقر لأنه الذي يتوهم مضرته وقد روي أنهم قالوا له يتبعونك لأنهم لا يجدون ما بنفقون وقوله: ولا هم بحسابك أي ولا يؤاخذون أو هو معطوف على الضمير المستتر للفصل، واعلم أنه قدم خطابه صلى الله عليه وسلم في الموضعين تشريفا له والا كان الظاهر وما عليهم من حسابك من شيء بتقديم على ومجرورها كما في الأوّل وفي النظم ردّ العجز على الصدر كما في قوله عادات السادات، سادات العادات. قوله: (على وجه التسبب وفيه نظر) في قوله فتطردهم وجهان أحدهما أنه منصوب على جواب النفي بأحد معنيين فقط، وهو انتفاء الطرد لانتفاء كون حسابهم عليه وحسابه عليهم لأنه ينتفي المسبب بانتفاء سببه، وتوضيحه أن قولك ما تأتينا فتحدثنا بنصب فتحدثنا يحتمل معنيين انتفاء الإتيان وانتفاء التحديث كأنه قيل ما يكون منك إتيان فكيف يقع منك حديث وهذا المعنى هو المقصود هنا أي ما يكون منك مؤاخذة كل واحد بحسابه فكيف يقع منك طرد، وانتفاء التحديث وثبوت الإتيان كأنه قيل ما تأتينا محدثا بل غير محدّث، وهو لا يصح هنا وهم وان أطلقوا قولهم منصوب على الجواب فمرادهم هذا، وجوّز في الدرّ المصون أن يكون منصوبا جوابا للنهي، وأما قوله فتكون ففيم نصبه وجهان أن يكون منصوبا في جواب النهي أعني لا تطرد وأن يكون معطوفا على فتطردهم وجعله المعرلث أظهر من الأوّل ولما لم يصلح في المعنى جواباً للنفي إلا إذا قصد تسببه على الطرد قال الط! بي: وجه النظر الذي ذكره المصنف رحمه الله إنّ قوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} الخ حينئذ مؤذن بأنّ عدم الظلم لعدم تفويض الحساب إليه فيفهم منه أنه لو كان حسابهم عليه وطردهم لكان ظالماً وليس كذلك لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأجاب عنه بأنّ المراد به المبالغة في معنى الطرد يعني لو قدر تفويض الحساب إليك ليصح منك طردهم لم يصح أيضا فكيف والحساب ليس إليك فهو كقول عمر رضي الله عنه نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وقيل بل وجه النظر أنّ الإشراك في النصب بالعطف يقتضي الإشراك في سبب النصب وهو توقف الثاني على الأوّل بحيث يلزم من انتفاء الأوّل انتفاؤه واً نه منتف كونه من الظالمين سواء لوحظ ابتداء أو بعد ترتبه على الطرد، وأما جعله مترتبا على نفس الطرد بلا اعتبار كونه مترتبا على المنفي ومنتفياً بانتفائه فيفوت وجود سببية النصب، وفي البحر هما منصوبان تقدمهما نهي ونفيان وكل منهما أهل أن يجاب به ولا يكون جواب واحد لمتناقضين فتطردهم جواب للنفي وتكون جواب النهي ولا يمكن عكسه لئلا يكون الجواب والمجاب واحداً ولا يستقيم أن يقول لا تطردهم فتطردهم، ويمكن أن يكون فتطردهم جوابا للنهي كما مرّ ويكون فتكون عطفا على الجواب فالجائز وجهان خاصة أحبهما الأوّل لا الثاني إذ كلاهما لا يناسب أن يجاب لأنه بصير معناه ما عليك كل منهم فتطردهم فيناسب وان أجيب بالثاني صار
المعنى مالك كل عليهم فتطردهم فمفهومه إن كانوا يحملون عنك كان طردك إياهم حسناً وهو خلف لا يجوز حمل القرآن عليه وهو وان خرج عن مختار البصريين لأعمال الثاني لا يضرّ لأنّ شرطه عندهم أن يكون المعنى مستقيما فيهما فان لم يستقم أعمل الأوّل اتفاقا كما في قوله، ولم أطلب قليل من المال انتهى. قوله: (ومثل ذلك الفتن الخ) يعني مثل ما فتنا الكفار بحسب غناهم وفقر المؤمنين حتى أهانوهم لاختلافهم في الأسباب الدنيوية فتناهم بحسب سبق المؤمنين إلى الإيمان وتخلفهم عنه حتى حسدوهم وقالوا ما قالوا لاختلاف أديانهم فشبه فتنا بفتن والزمخشري جعل ذلك إشارة إلى هذا الفتن المذكور وعبر عنه بذلك إيذانا بتفخيمه، ولدّا قال: ومثل ذلك الفتن العظيم

الصفحة 67