كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

بشروطها ولذا ذكر العزم على عدم العود مع أنه لا بد منه في التوبة، قيل وهذه الآية سيما على الوجه الثاني تقوّي مذهب المعتزلة حيث ذكر في مقام بيان سعة الرحمة أنّ عمل السوء إذا قارن الجهل ئم حصلت التوبة والإصلاح فإنه يغفر ولذا قيل: إنها نزلت! في عمر رضي الله عنه لما قال لرسول الله! ت: " لو أجبتهم لما قالوا لعل الله يأتي بهم " قاله حين لم يعلم المضرّة وتاب وأصلح وأورد عليه أنه تقرّر في الأصول أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فنزول الآية في حق عمر رضي الله عنه لا يدفع الإشكال (قلت) يريد أنّ اللفظ ليس عامّا وخطاب منكم لمن كان في تلك المشاورة والعامل لذلك منهم عمر رضي الله عنه فلا إشكال، وفسر ضمير بعده بالعمل أو السوء ولو فسره بالجهالة الملتبسة بالسوء كان أظهر، وقوله: ملتبساً بفعل الجهالة إشارة إلى أنه حال مؤكدة حينئذ. قوله: (فتحه من فتح الأوّل غير نافع الخ) ذكر فيها وجوه منها ما ذكره المصنف، ومنها أنها منصوبة بفعل مقدر أي فليعلم أنه، وقيل إنها تكرير للأولى للتأكيد وطول العهد، والجواب محذوف وهو بعيد، وأجاز الزجاج كسر الأولى وفتح الثانية، وهي قراءة الأعرج والزهراوي وأبي عمر والداني ولم يطلع على ذلك أبو شامة رحمه الله فقال: إنه محتمل إعرابي وان لم يقرأ به وليس كما قال. قوله: (وكذلك نفصل) قد مرّ الكلام على ذلك وقوله
في صفة المطيعين والمجرمين خالف فيه ما في الكشاف حيث قصره على الثاني لظاهر قوله سبيل المجرمين، والمصنف رحمه الله رأى الاقتصار عليهم لأنّ بيان أحوالهم أهنم هنا لما فيها من المفاسد التي يجب التنبيه عليها أو اكتفاء بذكر أحد الفريقين واستبان كتبين يكون لازما ومتعدياً، وقد دل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} [سورة الأنعام، الآية: 39] على أهل الطبع وقوله: {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 51] على أهل إمارة القبول وقوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} على المطيعين أو المفرطين قال النحرير: قوله فصلنا ذلك إشارة إلى تقدير متعلق لام لتستبين وقدره ماضيا نظراً إلى ما اقتضاه المعنى، وذكر تفصيل الآيات بلفظ المضارع لقصد الاستمرار وتناول الماضي والآتي، ومبناه على كونه من قبيل ضربت كذلك وهو على التشبيه ظاهر أيضا، وتذكير السبيل وتأنيثه لغتان مشهورتان وقوله بما نصب الخ راجع لصرفت، وأنزل راجع لزجرت على اللف والنشر المرتب، ولتستبين معطوف على مقدر هاليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ليظهر الحق الخ. قوله: (عن عبادة ما تعبدون) تفسير لقوله إن أعبد فتدعودط إما بمعنى تعبدون لتضمن العبادة للدعاء أو بمعنى تسمونها آلهة، وقوله: تأكيد لقطع أطماعهم جعله تأكيداً لأنه يفهم من نهيه عما هم عليه المذكور قبله مع استمرار المضارع المنفي هنا والموجب للنهي كون ما هم عليه هوى باطل واستجهالهم من اتباع الهوى وترك الهدى، أو من قوله نهيت لأنّ من لم تنهه الأدلة فهو جاهل واليه جنح الزمخشري. قوله: (وتنبيه لمن تحرّى الحق الخ) قيل إنه ميل منه إلى مذهب الأشعري وغيره من أنّ إيمان المقلد غير صحيح في حق الآخرة كما تقرّر في الأصول، ولك أن تفول مراده بمن تحر 3، الحق من يقدر على الاستدلال، والمراد بقوله ولا يقلد التقليد الصرف كما يفعله الكفرة وأهل الاهواء. قوله: (أي في شيء من الهدى) قيل هو من المهتدين أبلغ من هو مهتد
فنفيه بالعكس فهو هنا لتأكيد الخفي لا لنفي التأكيد، واليه أشار المصنف بقوله في شيء من الهدي وهو معنى دقيق، وهو ردّ لما قيل إنّ في هذا التفسير نظراً لأنّ هذا الأسلوب في الإثبات يوجب أن يكون المدخول ليس ممن له حظ قليل في ذلك الوصف بل له حظوظ وافرة، وفي السلب يوجب أن يكون المدخول له حظ ما فيه وفي الكشاف في قوله تعالى: {لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 168] قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عاليم لأنك تشهد له بكونه معدوداً في زمرتهم معروفا بمساهمته لهم وعراقته في وصفه وأجيب بأن إفادة معنى الاستغراق في نفي الهدي ليست من هذا القبيل بل جواب لما دل عليه قل لا أتبع أهواءكم على سبيل التعريض كأنه قيل إن اتبعت أهواءكم ضللت وكنت منكم وممن انغمس وتوغل في الضلال ولا أكون من الهدى في شيء مثلكم، وهو يدل على أنه من زمرة المهتدين المساهمين فيه، وهو وأن كان له وجه لكن الأوّل أولى، وهذه الفائدة قد ذكرها ابن جني رحمه الله في الخصائص وقد بسطنا الكلام فيها في غير هذا

الصفحة 70