كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

المحل وقيل إنه يريد أنّ نفي كونه من المهتدين يستلزم نفي كونه في شيء من الهدى لأنّ الشخص بأدنى شيء يعدّ منهم، وقوله: وفيه تعريض بأنهم كذلك فهو كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] كما تقرّر في المعاني. قوله: (والبينة الدلالة الواضحة الخ) هكذا فسرها الراغب على أنها من بان يبين بمعنى ظهر، ولذا قيل فالوضوح ليس مأخوذاً من التنكير كما قيل وقوله التي تفضل الخ إشارة إلى أنها من البينونة بمعنى الانفصال والمعنى الأصلي ملاحظ فيها وان صارت بمعنى الدليل، ولما قال في الكشاف بعد تفسيرها بما ذكر يقال أنا على بينة من هذا الأمر وأنا على يقين منه إذا كان ثابتاً عندك بدليل علم أنّ قيد الوضوح ليس في مفهومها فلذا قيل إنه مأخوذ من التنكير وبان بمعنى ظهر وبمعنى انفصل معنى آخر فلا ينبغي خلطهما، وقيل المراد القرآن فعطف الوحي عليه من عطف العامّ على الخاص والبينة ما به التبيين أو المبينة، وقوله من معرفته إشارة إلى تقدير مضاف في أحد الوجهين. قوله: (على بينة من ربر) إن قيل معناه على حجة من جهة ربي فعلى هذا من ربي صفة لبينة على معنى كائنة من ربي صادرة عنه، وضمير به للبينة لأنها بمعنى البيان والمثبت كما قاله الزجاج لا لربي إذ الفرق للتفرقة، والتفصيل بينه وبينهم، وذلك إني صدقت بالبينة وأنتم كذبتم بها بخلاف ما إذا قيل وأنتم كذبتم بربي وأمّا على الوجه الآخر فالمعنى من معرفة ربي فيعود الضمير على ربي لأنّ المعنى أني صدقت به وأنتم كذبتم به وعليه فالخبر مقدر يتعلق به على بينة ومن ربي أي على بينة لأجل معرفة ربي،
ويجوز أن بكون من ربي صفة بينة أيضاً ومن اتصالية أي بينة متصلة بمعرفة ربي أنا عليها كما في شروح الكشاف فنزل عليه كلام المصنف رحمه الله، وقوله باعتبار المعنى إشارة إلى تأويل البينة بما مرّ. قوله: (في تعجيل العذاب وتأخيره) قيل هو أولى من تخصيص الزمخشريّ بالتأخير ثم إنه قد سلك مسلك المصنف في تفسير يقضي وكأنه لم يقف على مراده من أنّ المقصود من قوله: إن الحكم إلا لقه التأسف على وقوع خلاف مطلوبه كما يشهد به موارد استعماله، وهو على التأخير فقط ثم أردفه بالقضاء بالحق فيهما تكميلا للخاص لإردافه بأمر عام كقوله: {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الملك، الآية: ا] وهو أولى مما ذكره المصنف فلله درّ العلامة ما أدق نظره. قوله: (أي القضاء الحق الما كان القضاء يتعدّى بالباء لا بنفسه قالوا: إنّ الحق منصوب على المصدرية لأنه صفة صدر مصدر محذوف قامت مقامه أو يقضي ضمن معنى ينفذ أو هو متعدّ من قضى الدرع إذا صنعها كقوله: وعليهمامسرودتان قضاهما داود
فهو استعارة وقوله فيما يقضي ظرف ليقضي على المعنيين، وقوله: وأصل الحكم المنع
من حكمة لجام الفرس وقوله: من قص الأثر أي بالصاد المهملة المشدّدة قيل وهذه قراءة لا تناسب ما بعده فإنّ قوله خير الفاصلين يقتضي ذكر القضاء قبله والا لقيل خير القاصين وردّ بأنه قرئ بذلك فكأنّ هذه القراءة لم تبلغه وبأنّ القصص بمعنى القول وهو يوصف بالفصل كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [سورة الطارق، الآية: 13] ، وغيره فيناسبه مع أنّ معنى يقصه أنه بينه بياناً شافياً وهو عين القضاء، وقضى الأمر بمعنى قطع، وقطع الأمر بينه وبينهم كناية عن إهلاكهم. وقوله: (يؤخذ الخ) أي يهلك ويؤخر هلاكه وفسر عنده بما هو في قدرته لأنه يشترط فيها الحضور بالفعل ولذا قد يراد بها العلم أيضا وجعله في المعنى استدراكا لأنّ مآله لو قدرت أهلكتكم، ولكن الله أعلم بمن يهلك من غيره وله حكمه في عدم التمكن منه. قوله:) خزائنه جمع مفتح بفتح الميم الخ) هو بالفتح المخزن والخزانة والكنز لأنه مما يفتح فكأنه محل الفتح، والمفتاح والمفتح بكسر ميمي ما آلة الفتح وسمة في العنق والفخذ قيل والأنسب جعله بمعنى الكنز على أنّ مفاتح الغيب من قبيل لجين الماء، وأخر الزمخشري تفسيره بالخزائن لعدم
تبادره من لفظ المفاتح، وعليه فهو استعارة مكنية وتخييلية شبه الغيب بأمور تحفظ وتصان، وأثبت لها المخازن تخييلاً، والمقصود أنّ علمها مخصوص به لأنه يلزم من علم المخازن علم ما حفظ فيها، ولذا لم يعطف عليه جملة لا يعلمها إلا هو لاتحادهما معنى فهي مؤكدة، وقال الإمام المراد على هذا التفسير أنه القادر على جميع الممكنات كما في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} [سورة الحجر، الآية: 21] ، والخزائن والمخازن متقاربان بأن معنى لكن الأولى لغة القرآن الفصيحة فلذا فسر النظم بها ثم أشار بعد إلى أنهما بمعنى فلا يقال لو قال مخازنه لكان أنسب

الصفحة 71