كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

بما بعده والأمر فيه هين. قوله: (مستعار الخ) يعني أنها مكنية وتخييلية إذ شبه الغيب بالأشياء المستوثق منها بالأقفال وإثبات المفاتيح تخييل كإظفار المنية، وأمّا جعلها تمثيلية فبعيد، وكذا جعل المفاتح بمعنى لعلم وجعله قرينة المكنية بناء على أنه لا يلزم أن يكون حقيقة كما تقرّر في ينقضون عهد الله أو هو استعارة مصرحة والإضافة إلى الغيب قرينتها، وهذا أسلم من التكلف، وجوّز فيه أن يكون مجازاً مرسلا فإنّ كونه مفاتح الغيب مستلزم للتوصل إليه، وتأييد قراءة مفاتيح ظاهر، ولذا قيل إنّ مفاتح جمع مفتاح كما قيل في جمع محراب محارب وجوّز الواحدي في مفتح بفتح الميم أن يكون مصدرا بمعنى الفتح. قوله: (والمعنى أنه المتوصل الخ) الظاهر أنه تفسير للوجه الثاني وينتقل منه إلى معنى الأوّل كما خصه به الزمخشرفي وجعله تفسيراً لهما ينبو عنه اللفظ، وقوله إنه المتوصل الحصر من تقديم الخبر، والمراد بالتوصل إحاطة العلم والإحاطة تؤخذ من لام الاستغراق، ووجه اختصاصها به تعالى أنه لا يعلمها كما هي ابتداء إلا هو، وقيل المراد بالغيب المغيبات الخمس، وفي الانتصاف لا يجوز إطلاق المتوصل على الله إذ لم يرد إذن به مع إيهامه بتجدد الوصول، وما في صيغة التوصل من الإشعار بأنه وصل بعد تباعد عن نيله ولا يدفعه ما قيل إنه يراد به الاستمرار التجددي ولذا أشار النحرير إلى أنه مرتضى عنده وهو غير وارد على المصنف رحمه الله لأنه وصف به العلم ولم يطلقه على الله. قوله: (فيعلم أوقاتها) فيه إشارة إلى ربطها بما قبلها وهو ظاهر وقوله وفيه دليل الخ أورد عليه أنّ علمه تعالى ليس بزمانيّ فلا قبلية ولا بعدية بينه وبين الأشياء الواقعة في الأزمنة وأجيب بأنه عند من جوّز كون علمه زمانيا لا إشكال فيه ومن منعه وهو الصحيح تأوّل القبلية والبعدية بأنها بالنظر إلى وجود المعلوم دون العلم أو بالنظر إلى تعلقه الحادث، وقيل لا شك في تقدم ذاته تعالى وعلمه على المصنوعات غايته أن ذلك التقدم ليس بزمانيّ بل بنوع من التقدم كتقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض كما حقق في محله يعني
أنّ قبل هنا مجاز عن مطلق التقدم، وهو وجه حسن. قوله: (عطف للأخبار الخ) أي هو معطوف على قوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} الخ لأنّ قوله لا يعلمها إلا هو كالتأكيد لها فلا يصح عطفه عليه لأنه لا يصلح للتأكيد ولو كان علمه لها على وجه التفصيل والاختصاص لأنّ علم الغيب والشهادة متغايران، فلا يؤكد أحدهما الآخر، نعم من لم يجعلها مؤكدة يجوزه فيكونان مستأنفتين لتفصيل علمه وشموله ولا تعلق له بما قبله، ويصح أنّ المجموع مؤكد لاشتماله على مضمون ما قبله لأنه ليس توكيداً اصطلاحياً، وجعل المعرب الجملة الأولى حالاً فلا مانع من العطف عنده والمصنف رحمه الله لم يتعرّض! لذلك فكلامه يحتملهما. قوله: (ألا يعلمها) حال من ورقة وجاءت الحال من النكرة لاعتمادها على النفي والتقدير ما تسقط من ورقة إلا عالماً بها لصحة التفريغ في الحال أو نعت لها بناء على جوازه فيه كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} [سورة الحجر، الآية: 4] ومن في من ورقة زائدة في الفاعل وما بعده معطوف عليه، وقرئ بالرفع عطفاً على المحل وسيأتي وقوله مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات ردّ على الفلاسفة في قولهم إنه لا يعلمها وهو قول باطل، إلا أنّ المحقق الطوسي أنكره وقال إنهم لم يفهموا كلامهم، وله فيه رسالة جليلة. قوله: (بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكل الخ) قال أبو البقاء رحمه الله: إلا في كتاب إلا هو في كتاب مبين، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه يعلمها لأنه يصير المعنى وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب فينقلب المعنى من الإثبات إلى النفي فإذا يكون الاستثناء الثاني بدلاً من الأوّل أي ولا تسقط من ورقة ولا حبة ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما يعلمها إلا هو، وهذا معنى قوله في الكشاف إنه كالتكرير وقيل أي من جهة المعنى على ما بين وأما من جهة اللفظ فهو صفة للمذكورات كما أنه لا يعلمها إلا هو صفة لورقة، وأمّا ما يقال إنه تأكيد للاستثناء الأوّل أو بدل وإنه ليس استثناء من لا يعلمها اللزوم كونه نفياً من الإثبات لكون لا يعلمها إلا هو إثباتاً من المنفي فمما لا ينبغي أن يصفي إليه المحصل، ا! فهو اسنثناء من أعمّ الأوصاف والمعنى ما تسقط من ورقة بوصف إلا بأنه يعلمها وكذا حال إلا في كتاب والحصر إضافيّ بالنسبة إلى غير العلم، والذي جنح إليه إنه إن دخل في حيز العطف لم تصح البدلية والا فلا لتخلل العطف

الصفحة 72