كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

البعث مجازاً عن الإيقاظ لم يكن من الترشيح في شيء، لأنّ الترشيح باق على حقيقته لا يعتبر فيه تشبيه ولا استعارة، والذي غرّه ظاهر كلامهم، وكذا ما قيل البعث الإثارة لا الإيقاظ غايته أنّ بعث النائم يكون! ايقاظه فلا ترشيح فيه ولو قلنا بعث النائم بايقاظه لا يكون ترشيحاً بل تجريداً. قوله: (ليبلغ المتيقظ الخ) الظاهر إنه علة غائية لما تقدم أعني، وهو الذي يتوفاكم الخ أي جعل هذا منتهى أعماركم، وقوله: أخر أجله إما تفسير للمراد من الأجل، أو إشارة إلى أنّ المراد به مجموع العمر لأنه يطلق عليهما كما مرّ. قوله: (ثم إليه مرجعكم) قال الثريف المرتضى: في الدرر والغرر فيما وقع في القرآن من ذكر الرجوع إلى الله نحو إليه ترجع الأمور كيف ترجع إليه وهي لم تخرج عن يده، وأجاب بأنه في دار التكليف قد يغير البعض فيضيف بعض أفعاله تعالى إلى غيره فإذا انكشف الغطاء انقطعت حبال الآمال عن غيره فيرجع إليه، أو أنّ المراد أن الأمور في يده من غير خروج ورجوع حقيقي فرجع بمعنى صار تقول العرب: رجع عليّ من فلان مكروه بمعنى صار، ولم يكن سبق، فهو بمعنى المصير إليه كما تشهد به اللغة أو أنه في دار الدنيا ما يكون للعباد ظاهراً كالعبد لسيده، فإذا أفضى الأمر إلى الآخرة زال ذلك ورجع الأمر كله إلى الله ظاهر أو باطنا، قيل ولو حمله على البعث من القبور لكان أولى لأنّ انقضاء الأجل يتضمن
الموت، والظاهر أنه تمثيل مثل قدم على ربه وقوله بالمجازاة هو إمّا مجاز فيها أو كناية ثم إنه يحتمل أن يكون ما في القبر أو ما بعده أو أعثم منهما، ولو فسر بالمحاسبة وعرض الصحف لكان أظهر. قوله: (وقيل الآية خطاب للكفرة الخ) هذا مختار الزمخشرقي لأنها مسوقة للتهديد كما في قوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُكُم} الخ ولأنّ حمل البعث على الإيقاظ تكرير مع ذكر كسب النهار ولأنّ ثم تدل على التراخي وهنا ليس كذلك وقد مرّ جوابه، وأما الجواب بأنّ واو ويعلم حالية وما عبارة عما كسب في النهار السابق كما يرشد إليه عدم إيراده بصيغة الاستقبال فلا دلالة فيه على أنّ الإيقاظ عن هذا التوفي وكلمة، ثم إنما تدل على تأخر الإيقاظ عن التوفي دون غيره، ولو سلم فإنما يدل على تأخره عن العلم دون الجرج ولا ضير فيه، ف! نه يعلم في الماضي أنهم يكسبون كما في الآتي، ثم إنّ المتبادر هو البعث عن التوفي المذكور لا عن غير المذكور فحمله عليه غير سديد لأنّ واو الحال لا تدخل على المضارع إلا شذوذاً أو ضرورة في المشهور، وقوله: في شأن الخ يشير إلى أنّ الضمير واقع اسم الإشارة، كما مرّ ومعنى في شأنه لأجل جزائه وحسابه وتشبيه نوم الليل بالموت لما فيه من ترك العبادة فتكون بيوتهم مقابرهم كما قيل: أيا نائم الليل هنئته فقبل الممات سكنت القبورا
وقوله ليقضي الأجل الخ فالمراد بالأجل مدة موتهم أو غايتها، وقوله: سماه وضربه أي
عينه والبعث علة لانقضاء تلك المدة، فإن قلت قد علل البعث بقوله فيه على هذا التوجيه فما وجه قوله ليقضي، قلت هو تعليل لتأخير البعث المستفاد من ثم، وفي الكشف وأما إن قضاء الأجل المسمى لا يصلح علة للبعث فليس بشيء بعدما فسره المصنف بقوله الأجل المضروب لبعثهم وجزائهم أي يبعثكم من القبور ليقضي أجل البعث والجزاء فيه، وهو متأخر عن البعث لا محالة ألا ترى إلى قوله: {ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [سورة يونس، الآية: 4] وقال العلامة في شرح الكشاف لا شك أنّ ظاهر الآية على العموم لكن قوله: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} يدل على تهديد شديد لا يليق إلا بالمعاندين الجاحدين، ولهذا فسر التوفي وان كان مسندا إلى الله بانسداحهم كالجيف لأن المقصود بيان حالهم المذمومة في الليل كما أنّ قوله ما جرحتم الخ بيان حالهم المذمومة في النهار، ويتوفاكم أي يقبض أرواحكم عن التصرف بالنوم كما يقبضها بالموت كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [سررة الزمر، الآية: 42] الآية، وفي أكثر التفاسير يبعثكم يوقظكم في النهار ليقضي أجل مسمى أي مدة الحياة ثم إليه مرجعكم بعد الممات، ثم ينبئكم بالمجازاة وإنما عدل عنه لأنّ قوله ويعلم ما جرحتم بالنهار دال على حال اليقظة وكسبهم فيها وكلمة، ثم تقتضي تأخر البعث عنها، فإن قلت البعث من القبور ليس علة لقضاء الأجل المسمى فنقول المراد بالأجل المسمى مدّة الكون
في القبور لا مذة الحياة كما قالوا والبعث علة لانقضاء تلك المدّة. قوله: (من النوم الخ) فان قلت النوم ضروري فالنائم غير مكلف

الصفحة 74