كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

فكيف يحاسب عليه، قلت المراد أنه يحاسب على أسبابه ومقدماته فإنها اختيارية ألا ترى أنّ من نام في آخر الوقت حتى فاتته الصلاة يكون عاصيا بنومه. قوله: (وهو القاهر) قد مرّ تفسيره وفوق منصوب على الظرفية حال أو خبر بعد خبر، وذكر الإرسال بعده ليفيد أنّ إرساله ليس لاحتياجه بل لما ذكر من الحكم، وقوله: (تحفظ أعمالكم) تفسير للحفظة جمع حافظ ككتبة وكاتب، ويحتمل أنّ المراد بهم المعقبات التي تحفظه من بين يديه ومن خلفه، ويرسل مستأنف أو عطف على القاهر لأنه بمعنى الذي يقهر ولا يصح جعله حالاً لأن الواو الحالية لا تدخل على المضارع، وتقدير المبتدأ لا يخرجه عن الشذوذ على الصحيح وعليكم متعلق بيرسل أو بحفظة، والإشهاد جمع شهد كصحب وهو جمع شاهد، أو اسم جمع له لأن فاعلا لا يجمع على أفعال إلا نادراً، وقوله: يحتشم بمعنى يستحي، وضمير من خدمه إمّا إلى السيد أو إلى العبد، قيل والمبالغة في الثاني أكثر وخدم بفتحتين جمع خادم، وهو من نوادر الجموع، وقوله ملك الموت وأعوانه جمع عون وهو المعين والظهير، والظاهر منه أن قبض الأرواح بجملتها ليس موكولاً إلى ملك الموت بل له أعوان يقبضونها معه، وقيل إنّ المباشر ملك الموت عليه الصلاة والسلام واسناد الفعل إلى المباشر والمعاون معاً مجاز كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا، والقاتل واحد منهم وقد يسند إليه فقط، والى الله تعالى وتوله حتى أي بلغت غلبته إلى أنهم لا يتأتى لهم مخالفة رسله في قبض الأرواح، وليس متعلقا لإرسال الحفظة حتى يقال ليس غاية إرسال الحفظة وقت مجيء الموت إلى أحدهم. قوله: (والمعنى الخ) يعني معنى قراءة التخفيف والضمائر كلها للرسل، والإفراط مجاوزة الحد وهو يكون بالزيادة والنقصان والتفريط التقصير، ولذا فسره بالتواني والتأخير، وقيل إنه على القراءتين، وفيه لف ونشر مرتب إن كان ضمير لهم للناس وما عبارة عن آجالهم وغير مرتب إن كان الضمير للرسل وما عبارة عن الإكرام والإهانة، وفيه نظر. قوله:) ثم رذوا إلى الله الخ) قيل الضمير للكل المدلول عليه بأحد وهو السرّ في مجيئه بطريق الالتفات والإفراد
أوّلاً والجمع آخرا الوقوع التوفي على الانفراد، والرذ على الاجتماع أي ردّوا بعد البعث، وقيل أيضا فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ومن التكلم إليها لأنّ الرذ يناسبه اعتبار الغيبة، وان لم يكن حقيقة لأنهم ما خرجوا من قبضة حكمه طرفة عين، وقيل عليه ضمير ردّوا عبارة عن الأحد العامّ إذ المراد ليس فرداً واحداً إلا عن المخاطبين فالالتفات واحد، ثم إنّ الردّ إنما يقتضي غيبتهم وقت الردّ لا وقت الخطاب بأنكم تردّون فكأنه لم يسمع قوله: {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ} [سورة التوبة، الآية: 94] ولا يخفى أن الأحد وان كان يعمّ كما مرّ في سورة البقرة، لكنه لما أضيف إلى المخاطبين اقتضى ذلك التغاير بينهما والردّ لا يختص بل يعمّ الجميع فرجع إلى العباد فيكون فيه التفاتان بلا تكلف، وكون الرذ يقتضي الغيبة مما لا شبهة فيه لأنه لا يردّ إلا من ذهب وغاب فالمردود في أوّل تعلق الرذ به غائب، وبعده يصير حاضرا، فيجوز اعتبار كل من حاليه، واعتبار حالة البعد أنسب بالمقام فلا يرد ما ذكره وهو لا ينافي الخطاب في تردّون ولكل وجهة.
وللناس فيما يعشقون مذاهب
وقوله: (إلى حكمه وجزائه) وقيل إنه الرذ من البرزخ إلى موضع العرض والسؤال، وليس ببعيد من هذا. قوله: (العدل) الحق يطلق على الله إمّا مجازا وهو بمعنى العدل، أو مظهر الحق أو واجب الوجود، أو الصادق الوعد، ونصبه على المدج، أو على أنه صفة للمفعول المطلق أي الردّ الحق، فلا يكون حينئذ المراد به الله. قوله: (لا يشنله حساب عن حساب) هذا بناء على أنه يحاسبهم، وقيل إنه يأمر الملائكة بذلك فيحاسب كل إنسان ملك وإذا حاسبهم بنفسه في زمان قليل لزم أن لا يشغله حساب عن حساب فلا يرد ما قيل إن هذا المعنى لا يدل عليه قوله اسرع الحاسبين، وقوله مقدار حلب شاة عبارة عن تقليل زمانه وهو أنه عنده. قوله: (فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب) أي إنه يوم اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته، وقوله ذو كواكب كقوله:
إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
بناء على أنّ الليل إذا لم يستتر بنور القمر ظهرت الكواكب صغارها وكبارها، وكلما اشتدت ظلمته اشتد ظهور الكواكب فيه، ومن الأمثال القديمة رأى الكواكب مظهراً أي أظلم يومه لاشتداد الأمر فيه كما قال الهذلي:

الصفحة 75