كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول وهو مبنيّ على الاعتزال مع تكلفه ولذا تركه المصنف رحمه الله، وقوله: (ظلموا الخ) المراد ظلم خاص والظلم وضع الشيء في غير موضعه. قوله:) مما يحاسبون عليه) الظاهر أنه تفسير لقوله: {مِنْ حِسَابِهِم} فيكون مصدراً بمعنى المفعول، ولا يصح أن يكون تفسير الشيء وأمّا جعل من ابتدائية بمعنى الأجل فمع كونه تكلفا الظاهر أن يقول إنها تعليلية لأنها ترد لذلك، كما ذكره النحاة وفسر على في على الذي يتقون باللزوم كما في قولهم عليّ ألف درهم، ولم يفسره بالمؤاخذة، كما في قوله: {عَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة البقرة، الآية:
286] قيل لأنه لا يناسب سبب النزول ولا وجه له لأنه لا يؤاخذ إلا بما يلزمه، ومآلهما بحسب المعنى واحد وقوله وغيره من القبائح عممه والزمخشري خصه بالخوض! لمناسبة المقام. قوله: (لأنّ من حسابهم يأباه الأنه يصير المعنى، ولكن ذكرى من حسابهم وليس بسديد، وقد تبع فيه الزمخشريّ واعترض عليه كثير من الشراح وغيرهم بأنه لا يلزم من العطف على مقيد بقيد اعتبار ذلك القيد في المعطوف، وظاهر كلام بعضهم هنا أنه مخصوص بالحالط والجار والمجرور هنا حال لأنه صفة للنكرة قدمت عليها، والحال قيد في عاملها فإذا كان من عطف المفردات، وعمل فيها العامل لزم تقيدها فإن قدر عامل آخر لم يكن من عطف المفردات وقيل نحن لا ندعي هذا بل نقول إنه إذا عطف مفرد على مفرد لا سيما بحرف الاستدراك فالقيود المعتبرة في المعطوف عليه السابقة في الذكر عليه معتبرة في المعطوف البتة بحكم الاستعمال تقول ما جاءني يوم الجمعة، أو في الدار أو راكبا أو من هؤلاء القوم رجل ولكن امرأة فيلزم مجيء المرأة في يوم الجمعة، أو في الدار أو بصفة الركوب، أو تكون من القوم البتة، ولم يجىء الاستعمال بخلافه ولا يفهم من الكلام سواه بخلاف ما جاءني رجل من العرب ولكن امرأة فإنه لا يبعد كون المرأة من غير العرب، قالوا والسرّ فيه أن تقدم القيود يدلّ على أنها أمر مسلم مفروغ منه وانها قيد للعامل منسحب على جميع معمولاته وأنّ هذه القاعدة مخصوصة بالمفرد لذلك وأمّا في الجمل فالقيد إذا جعل جزءا من المعطوف عليه وان سبق لم يشاركه فيه المعطوف، كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أسورة يونس، الآية: 49] كما في شرح المفتاح وهذا إذا لم تفهم القرينة خلافه كما في قولك جاءني من تميم رجل وامرأة من قريش، وتخصيص هذه القاعدة بتقدم القيد وادعاء اطرادها كما ذكره النحرير مما يقتضيه الذوق لكنا لم نر من التزمه غيره ومنهم من عممها كما قيل إنّ أهل اللسان والأصوليين يقولون إنّ العطف للتشريك في الظاهر فإذا كان في المعطوف عليه قيد فالظاهر تقييد المعطوف بذلك القيد إلا أن تجيء قرينة صارفة فيحال الأمر عليها فإذا قلت ضربت زيداً يوم الجمعة، وعمرأ فالظاهر اشتراك عمر ومع زيد في الضرب مقيداً بيوم الجمعة، فإن قلت وعمرأ يوم السبت لم يشاركه في قيده، والآية من القبيل الأوّل فالظاهر مشاركته في قيده ويكفي مثله للمنع وفيه بحث.
قوله: (ولا على شيء لذلك الخ) مراده بقوله لا تزاد بعد الإثبات لا تقدر عاملة بعد الإثبات لأنها إذا عملت كانت في قوة المذكورة المزيدة، ولذا قيل الظاهر أن يقول لا تقدر عاملة بعد الإثبات ولا ينافيه ما مر من تجويز زيادتها في الإثبات في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} [سورة الأن! ام، الآية: 42] كما أورده عليه بعضهم لا لأنه مشى على قول هنا وعلى آخر ثمة لأنها عكازة أعمى بل لأنّ خلاف الأخفش وغيره في غير الظروف، كقبل وبعد
وأمّا دخول من زائدة على الظروف في الإثبات فذهب إلى جوازه كثير من النحاة وارتضوه كما في شرح التسهيل وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس وقوله لمساءتهم مصدو إمّا مضاف للفاعل، والمفعول مقدّر أو مضاف للمفعول. قوله: (ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى الخ) أي ضمير لعلهم للمتفين أي يذكر المتقون المستهزئين ليثبت المتقون على تقواهم ولا يأثموا بترك ما وجب عليهم من النهي عن المنكر، وذكروا الثياب لأنّ أصل التقوى كان لهم قبله وقوله تنثلم أي تنقص، وأصل معناه الكسر وثقب الحائط، وقد ذكر العلماء أنه لا يترك ما يطلب لمقارنة بدعة كترك إجابة دعوة لما فيها من الملاهي، وصلاة جنازة لنائحة فإن قدر على المنع منع وإلا صبر هذا إذا لم يكن مقتدى به وإلا فلا يفعل لأنّ فيه شين الدين، وما روي عن أبي حنيفة من أنه ابتلى به كان قبل صيرورته إما ما مقتدى به لقوله: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 68] .

الصفحة 78