كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

قوله: (لعباً ولهوا) قال السفاقسي هو مفعول ثان لاتخذوا وظاهر كلام ابن عطية والزمخشرفي أنه مفعول أوّل ودينهم ثان وفيه إخبار عن النكرة بالمعرفة وقال الرازي إنه مفعول لأجله أي اكتسبوا دينهم للهو واللعب فهو متعد لواحد. قوله: (أي بنوا أمر دينهم الخ الما أضاف الدين إليهم وليس لهم دين في الواقع أوّله في الكشاف بأوجه الأوّل أنهم اتخذوا الدين المفترض عليهم شيئا من جنس اللعب واللهو كعبادة الأصنام ونحوها، والدين المفترض الواجب عليهم وان كان في الواقع دين الإسلام لكن على هذا الوجه ليس المراد به هذا المفهوم بل مجرّد ما يصدق عليه مفهوم الدين الواجب الثاني أنهم اتخذوا ما يتبينون به، وينتحلونه بمنزله الدين لأهل الأديان شيئاً من اللعب واللهو، وحاصله أنهم اتخذوا اللعب واللهو دينا لهم كما صرح به الزمخشرفي، وليس من القلب في شيء ولا من جعل المبتدأ نكرة والخبر معرفة كما توهم، وفيه بحث الثالث أنهم اتخذوا دينهم الذي فرض عليهم وكلفوه أعني الإسلام لعبا ولهواً حيث سخروا به واستهزؤوا، فحاصل الأوّل اتخذوا الدين الواجب لعبا، والثاني جعلوا اللعب دينا واجبا، والثالث استهزؤو! بالدين الحق الذي يجب أن يعظم غاية التعظيم، ومعنى الإضافة في الأول والثالث ظاهر، وفي الثاني أنه عادة لهم، والوجه الرابع أنّ المراد بالدين العبد الذي يعاد إليه كل حين معهود بالوجه الذي شرعه الله كعيد المسلمين، أو بالوجه الذي اعتادوه من اللعب واللهو كأعياد الكفرة لأنّ أصل معنى الدين العادة والعيد معتاد في كل عام، ولبعده عن الظاهر أخر وترك المصنف ر-حه الله الثاني منها لما فيه من الخفاء ولأنه إن حمل على ظاهره من القلب فهو ضعيف والا فهو راجع
إلى الوجه الآخر، والفرق بينهما سهل، وقوله زمان لهو الخ إشارة إلى أنه إذا كان بمعنى العيد وهو اسم زمان لأنه يوم مخصوص يقدر مضاف ليصح الحمل. قوله: (والمعنى أعرضر عنهم ولا تبال الخ (إشارة إلى أنّ الظاهر يقتضي الكف عنهم مع أنه مأمور بالتبليغ والقتال فأوّله بأنّ المراد لا تبال بهم وامض لما أمرت أو هو للتهديد، أو أن الآية نزلت قبل آية السيف التي في سورة براءة والأمر بالقتال فتكون منسوخة وعلى ما قبله فهي محكمة فذر بمعنى اترك فيه ثلاثة وجوه، واعلم أنهم اختلفوا في الوجوه المذكورة في الكشاف فقيل إنها أربعة وقيل ثلاثة، وقوله: اتخذوا ما هو لعب ولهو دينا لهم ليس من توجيه معنى الدين في شيء وهو الأوّل بعينه وإنما ذكره الزمخشري لبيان الوجهين من كونه مفعولأ أوّل أو ثانياً، والقلب الداعي له أن لا يثبت لهم دين فقول النحرير: إنه ليس من القلب إذ لا داعي له لا وجه له وفسره العلامة بقوله: ما هو لعب إشارة إلى تأويله بمعرفة المفهومة من ما الموصولة كما قيل، وفيه تأمّل. قوله:) وغرتهم الحياة الدنيا حتى أنكروا البعث) ففرّ من الغرور وهو معروف، وقيل: إنه من الغرّ وهو ملء الفم أي أشبعتهم لذاتها حتى نسوا الآخرة وعليه قوله:
ولما التقينا بالعشية غرّني بمعروفه حتى خرجت أفوّق
قوله: (وذكر به أي بالقرآن) جعل الضمير للقرآن كما في قوله فذكر بالقرآن من يخاف وعيد، والقرآن يفسر بعضه بعضا فلهذا اقتصر عليه، وقيل: إنه يعود على حسابهم، وقيل على الدين وقيل إنه ضمير يفسره ما بعده فيكون أن تبسل بدلاً منه واختاره أبو حيان. قوله: (مخاقة أن تسلم الخ) إشارة إلى أنه مفعول لأجله بتقدير مضاف أو أصله أن لا تبسل ومنهم من جعله مفعولاً به لذكر وتسلم من الأفعال ويجوز أن يكون من التفعيل وهما متقاربان وفسر تبسل بالإسلام إلى الهلاك أي وقوعه فيه وجعله كأنه رهن بيده، قال الراغب: تبسل هنا بمعنى تحرم الثواب والفرق بين الحرام والبسل أنّ الحرام عاتم لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع بالقهر، وقوله تعالى: {أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 70] أي حرموا الثواب، وفسر بالارتهان لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [سورة المدثر، الآية: 38] ورهينة فعيلة بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة، وقيل بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدمت من عملها، ولما كان الرهن يتصوّر منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أي شيء كان انتهى، فمعنى
قوله ثرهن أي تحيس في الهلاك بسبب سوء عملها وهو معنى

الصفحة 79