كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

معلمة عند غيره لأجل إلزامه بها وهو مصطلح أهل الجدل، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله فإنّ الخ قيل هذا ناظر إلى الوجه الثاني في فلما جن عليه الليل، وقوله أو على وجه النظر إلى الوجه الأوّل وفيه نظر لأنه يمكن أن يجري على القول الأصح على الوجهين، لأنّ معنى، وكذلك الخ ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم والمراد هدايته لطريق الاستدلال مع الخصوم، وبه تحصل زيادة اليقين، وإفحام الخصوم كما قاله الطيبي رحمه الله. قوله: (وإنما قاله رّمان مراهقتة) يريد الردّ على أنه لا حاجة إلى النظر والاستدلال المؤيد لما عنده من الاعتقاد فإنه مقام النبوّة والأنفس القدسية أعلى من أن تتشبث بحال الاستدلال فقال إنه كان في مبادي السن قبل البعثة ولا يلزمه اختلاج شك مؤدّ إلى كفر لأنه لما آمن بالغيب أراد أن يؤيد ما جزم به بأنه لو لم يكن الله إلهاً وكان ما يعبده قومه لكان إمّا كذا وامّا كذا، والفرق بينه وبين الأوّل إنه لإلزام الغير، وهذا الثلج الصدر ببرد اليقين، والوجه الأوّل لا لأنه دفع لما يقال إنّ قوله هذا ربي يكون حينئذ كفرا والأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عنه قبل البعثة، وبعدها بالاتفاق لأنّ كفر الصبيّ غير المراهب لا يعتذ به، وان صح إسلامه كما صرّح به الفقهاء، ولا يلزمه الكذب على الأوّل لأنه كلام لاستدراج الخصم على وجه الفرص وارخاء العنان ومثله لا يسمى كذباً، بل لما قال محي السنة لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو موحد عارف بالله بريء عن كل ما سواه وكيف يتوهم هذا على من طهره الله وعصمه، وآتاه رشده من قبل إلى أن جاء ربه بقلب سليم، وقال وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات
والأرض وليكون من الموقنين أو تراه أرإه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكباً قال هذا ربي معتقداً له هذا لا يكون أبداً بل أراد أن يستدرج القوم بهذا القول، ويغرّفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموه إذ كانوا يعظمون النجوم ويعبدونها، وقال الإمام السبكي رحمه الله في تفسير هذه الآية قد تكلم الناس فيها كثيراً، وفهمت منها أنّ ذلك تعليم منه سبحانه لإبراهيم صلى الله عليه وسلم طريق الحجة على قومه فاراه ملكوت السماوات والأرض، وعلمه كيف يحاجهم ويقول لهم إذا حاجهم في مقام بعد مقام إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن يقال ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أنّ القول على سبيل التنزل، وليس اعترافا وتسليماً مطلقاً وقولنا على سبيل التنزل معناه أنّ الخصم ينطق به لينظر ما يترتب عليه، وهذا الذي فهمت أقرب ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أي قوله وكذلك نرى إبراهيم الآية، وقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنعام، الآية: 83] على قومه انتهى وهذا هو الحق فالنظم دال على خلاف الوجه الثاني. قوله: (فضلاَ عن عبادتهم) هذا إمّ إشارة إلى عدم العبادة بالبرهان أو إشارة إلى أنه كني بعدم المحبة عن عدم العبادة، لأنه يلزم من نفيها نفيها بالطريق الأولى وهما متقاربان، والزمخشريّ قدر مضافا أي لا أحب عبادة الآفلين، والتعليل بقوله فإنّ الخ للازم المنطوق المراد منه فلا يرد عليه أنه لا يصح أن يكون تعليلاً لعدم المحبة بل لترك العبادة وقد بناه على عدم المحبة. قوله: (والاحتجاب بالاستار الخ الا يوصف الله بأنه محجوب، قال القاضي رحمه الله: في الشفاء ما في حديث الإسراء من ذكر الحجاب في حق المخلوق لا في حق الخالق فهم المحجوبون، والباري جل اسمه منزه عما يحجبه إذ الحجب إنما يحيط بمقدّر محسوس، ولكنه حجب على أبصار خلقه وبصائرهم وإدراكاتهم للأجرام المحدودة، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فهو تمثيل لمجرّد منعه الخلق عن رؤيته، أو هو في حق المخلوق، وقال الشريف قدس سره: في الدرر والغرر العرب تستعمل الحجاب بمعنى الخفاء وعدم الظهور فيقول أحدهم لغير. إذا استبعد فهمه بيني وبينك حجاب، ويقولون لما يستصعب طريقه بيني وبينك كذا حجبا وموانع وسواتر وما جرى مجرى ذلك، فهو مجاز في المفرد عنده، وفي حكم ابن عطاء الله الحق ليس بمحجوب إنما يحجب عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر، وهو القاهر فوق عباده فتدبره، وقيل: إنّ قوله يقتضي الإمكان والحدوث لف ونشر غير مرتب لأنّ الانتقال حركة، وهي حادثة فيلزم حدوث محلها، والاحتجاب اختفاء يستتبع إمكان

الصفحة 85