كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

موصوفه ومن هاهنا ظهر ضعف ما قيل إنّ الاستدلال بحدوث الجواهر دون إمكانها طريقة الخليلءجمف وهو منقول عن جملة أهل الكلام وهم يقولون إنه من صفات الإجرام المحدودة المتحيزة، وهو يستلزم الحدوث فلا يرد عليهم ما ذكره فتأمّل، وبزوغ القمر طلوعه منتشر
الضوء، وأصله في بزوغ الناب لظهوره، وبزغ البيطار الداية أسال دمها فبزغ هو أي سال فشبه هذا به قاله الراغب رحمه الله. قوله: (فلما أفل) قيل كان غاب عن نظره ولم يكن حين رآه في ابتداء الطلوع بل كان وراء الجبل ثم طلع منه، أو في جانب آخر لا يراه، والا فلا احتمال لأن يطلع القمر من مطلعه بعد أفول الكواكب ثم يغرب قبل طلوع الشمس، وقيل فيه بحث إذ يجوز أن يكون الجبل في طرف المغرب، والذي ألجأهم إلى هذا التعقيب بالفاء، ويمكن أن يكون تعقيبا عرفياً مثل تزوّج فولد له إشارة إلى أنه لم تمض أيام وليال بين ذلك سواء، كان استدلالاً أو وضعا، واستدراجا لا إنه مخصوص بالثاني كما توهم على أنا لا نسلم ما ذكره إذا كان كوكبا مخصوصاً وإنما يرد لو أريد جملة الكواكب أو واحد لا على التعيين فتأمّل. قوله: (استعجز نفسه الخ) أي أظهر العجز صورة، وقوله إرشاد إشارة إلى أنّ هذا القول! يس بمرضي عنده، وهو الحق الحقيق بالقبول والنظم ناطق به كما بين في شروح الكشاف، لأنّ قوله لئن لم يهدتي ربي وقوله يا قوم إني بريء مما تشركون يدل على أنه كان مع قومه، وكان محاجا لهم مثافهة والمجموع دليل لمكان التعريض بدليل قوله كونن من القوم الضالين، ثم الجملة القسمية تدل على أنّ الكلام مع منكر مبالغ في الإنكار فلا يناسب فرض التردّد في نفسه على أنّ قوله ربي صريح في اعترافه بأنّ له ربا يعرفه ويعبده، وما قيل من أنه استعجز نفسه فاستعان بربه في درك الحق وقوله: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} إشارة إلى حصول اليقين من الدليل فخلاف الظاهر على أنّ حصول اليقين من الدليل لا ينافي محاجته مع قومه كما في الكشف فقد علمت أنّ في كلام المصنف رحمه الله نبوة من الظاهر لكن ينبغي أن يقاد إليه بزمام العناية بما مرّ، وفي الانتصاف إنما عرّض! بضلالهم في أمر القمر لأنه قد أيس منهم في أمر الكواكب، ولو قال في الأوّل لما أصغوا ولما أنصفوا، ثم صرّح في الثالثة بالبراءة لما تبلج الحق وظهر غاية الظهور، وهم في ظلمات العمى والعناد. قوله: (له ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر الخ) قال بعض المتأخرين ما نصه بعدما حكى كلام المصنف والكشاف لا حاجة إلى هذا التكلف لأن الإشارة إنما هي إلى الجرم ولا تأنيث فيه وإنما التأنيث بحسب اللفظ وليس في ذلك المقام لفظ الشمس فإنه في الحكاية لا المحكي انتهى، وقد سبق إلى هذا أبو حيان رحمه الله فقال يمكن أن يقال إنّ أكثر لغة العجم لا تفرق في الضمائر، ولا في الإشارة بين المذكر والمؤنث ولا علامة عندهم للتأنيث بل المؤنث والمذكر سواء عندهم فأشار في الآية إلى المؤنث بما يثار به إلى المذكر حين حكى كلام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وحين أخبر تعالى عنها بقوله: بازغة وأفلت أنث على مقتضى العربية إذ ليس ذلك بحكاية انتهى، وهذا إنما يظهر لو حكى كلامهم بعينه في لغتهم أما إذا عبر عنه بلغة العرب فكونه يعطي حكم كلام العجم فلا وجه له وان ظنوه شيئا،
ثم إنّ النفس ألفت أخذ المعاني من الألفاظ حتى إذا تصوّرت شيئاً لاحظت ما يعبر به عنه في ذلك التخاطب وتخيلت أنها تناجي نفسها به كما قاله الرئي! في الشفاء، فإذا اشتهر التعبير عن شيء بلفظ مذكر أو مؤنث لوحظ فيه ذلك وإن لم يطلق عليه ذلك الاسم وقت التعبير والإشارة، كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [سورة ص، الآية: 32] فحيث خولف ذلك المقتضى احتاج إلى عذر وتأويل كما حققه السيد قدس سرّه في ألم ذلك الكتاب وبعضهم ذكره هنا من عنده زاعماً أنه من نتائج أفكاره وأمّ كون لغته لا تأنيث فيها فلا وجه له لما علمت أن العبرة بالحكاية لا المحكي، ألا ترى إنه لو قال أحد الكواكب النهاري طلع فحكيته بمعناه وقلت الشمس طلعت لم يكن لك ترك التأنيث بغير تأويل لما وقع في عبارته، وإذا تتبعت ما وقع في النظم الكريم رأيته إنما يراعي فيه الحكاية مع أنه مبنيّ على أنّ إسماعيل هو أوّل من تكلم بالعربية والصحيح خلافه. قوله: (وصيانة للرب عن شبهة التأنيث) قيل ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر أو لأنه لا يفرق في غير لغة العرب بين المذكر والمؤنث في الإشارة فأجرى الكلام على قاعدة تلك اللغة في مقام

الصفحة 86