كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

فلا بد من الرجوع إلى التأويل وأمّا عن الثاني فلأنها نعم لا يقدر عليها سواه كما نبه عليه بقوله:) العظام) فتضمن ذلك عظيم قدرته التي لا يساويه فيها أحد وذكره الكفران بيان لحاصل المعنى، ومآله لا تفسير لقوله يعدلون حتى لا يناسب ما في الكتابين، ثم إنه قيل عليه أيضاً إن ما ينتظم في سلك الصلة المنبئة عن موجبات حمده تعالى حقه أن يكون له دخل في ذلك الأنباء في الجملة، ولا ريب في أن كفرهم بمعزل عنه واذعاء أنّ له دخلا فيه لدلالته على كمال الجود كأنه قيل الحمد لله الذي أنعم المثل هذه النعم العظام على من لا يحمده تعسف لا يساعده النظام، وتعكيس يأباه المقام. كيف لا وسياق النظم الكريم كما تفصح عنه الآيات الآتية لتوبيخ الكفرة ببيان غاية إساءتهم في حقه كما يقتضيه الادعاء المذكور وبهذا اتضح أنه. لا سبيل إلى جعل المعطوف من روادف المعطوف عليه لما أنّ حق الصلة أن تكون غير مقصودة الإفادة، فما ظنك بما هو من روادفها، وقد عرفت أنّ المعطوف هو الذي سيق له الكلام قلت لا شك في أنه على هذا الوجه يراد الحمد دلّه الذي أنعم بهذه النعم الجسام على من لا يحمده، ولا تعسف فيه لبلاغته وادعاء العكس ممنوع فإنّ المقام مقام الحمد كما تفيده الجملة المصدر بها، وما بعده كلام آخر ولا يترك مقتضى مقام لأجل مقتضى مقام آخر إذ لكل مقام مقال وهذا على عادته في استسمان ذي ورم، ونفخه في غير ضرم، فإن قلت كيف يصح عطفه من جهة العربية والموصول لا يكون صلة كما صرح به الرضي في باب الأخبار بالذي قلت الذي وقع في الرضي، وقوعها صلة ابتداء لا بطريق التبعية فإنه يغتفر في التابع ما. لا يغتفر في غيره، ثم
إنه قيل الصواب في الجواب أن عطفه عليه ليس بقصد أنه صلة برأسه ولا لأنه جزء الصلة بل على أنه من روادفها عطف عليها بيانا لما لهم مع ذلك الصنع البديع، ومن الفعل الشنيع والصنع الفظيع، ويمكن أن يؤوّل بأنّ المعنى الحمد دلّه المنعم المستبعد مع إنعامه الكفران فيجوز أن يكون جزء الصلة انتهى وهذا مآل ما ذكره النحرير عند التأمل مع أنّ قوله ويمكن الخ يرد عليه ما أورده ثانيا بعينه، وما قيل فيه نظر لأنه تكلف بعيد وتغيير للنظم لا يرتكب إلا لضرورة ولا ضرورة هنا، ولأن قوله من الكفران لا يناسب أن يذكر بعد الحمد إذ لا علاقة له معه من قلة التدبر، وإذا انتقش في صحيفة ذهنك ما قرّرناه انمحى كل ما أوردناه. قوله: (ما خلقه نعمة (يشير إلى أنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة لأنّ ما في حيز الموصول محمود عليه فلا يرد عليه أن الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلة نعمة. قوله: (ثم الذين كفروا الخ الما كان المقام مقام الحمد ناسب التشنيع عليهم بعدم العمل بمقتضاه فلا يرد عليه أنّ كفرهم به تعالى لا سيما باعتبار ربوس! ط أشد شناعة وأعظم جناية مع عدولهم عن حمده عز وجل فجعل أهون الشرين عمدة في الكلام مقصوداً، بالإفادة واخراج أعظمهما مخرج القد المفروغ عنه مما لا عهدة له في الكلام السديد فكيف بالنظم التنزيلي. قوله: (ويكون بربهم تنبيهاً الخ) إشارة إلى النكتة في وضع الظاهر موضع المضمر، والرث في الأصل مصدر أو صفة بمعنى المربي المالك يختص به تعالى ولا يطلق على غيره إلا شذوذا أو مقيداً أو جمعا كما مر. قوله: (على معنى أنه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه الخ (هكذا في الكشاف، وهو بيان لما يقتضيه تباعد ما بين المتعاطفين وهو خلق هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها سواه وتسوية الكفرة به من لا يقدر على شيء، ولم يذكر أنّ خلق هذه من النعم لأنه لبيان المناسبة بين الجملتين مع قطع النظر عن ارتباطه بما قبله وكونه محمودا عليه أؤ اكتفى بالتنبيه عليه فيما مضى وكونه معلومأ مع وقوعه موقع المحمود عليه اقتصاراً على مقدار الكفاية وحذرا من شبه التكرار، فلا يرد عليه ما قيل أنه لم يعتبر في هذا الوجه كون خلق السماوات والأرض من النعم مع أنه أشار فيما سبق إلى اعتباره مطلقا بقوله ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام، والصواب اعتباره هاهنا أيضاً لاقتضائه الإظهار في مقام الإضمار لا سيما في هذا الوجه لعطفه على الصلة، وقال أبو حيان: لا يصح هذا التركيب لأنه ليس فيه رابط يربط الصلة بالموصول إلا إذا خرج على نحو قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريدون عنه فيكون الظاهر وقع موقع المضمر فكأنه قيل، ثم الذين كفروا به يعدلون، وهذا من الندور بحيث لا يقاس عليه ولا يحمل عليه كتاب الله تعالى

الصفحة 9