كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

للوقف الخ) أي هاء السكت التي تزاد في الوقف ساكنة
إجراء للوصل مجرى الوقف، وبعضهم يحرّكها تشبيهاً لها بهاء الضمير، والعرب كثيراً ما تعطي للشيء حكم ما يشبهه وتحمله عليه، وقد روي قول المتنبيّ:
وأحرّ قلباه ممن قلبه شبم
بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السكت شبهت بهاء الضمير فحركت، والأحسن كما في
الدرّ أن يجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبه الضمير لأنّ هاء الضمير لا تكسر بعد الألف فكيف بما يشبهها، وأمّا كونه اتبع فيه خط المصحف فمما لا ينبغي ذكره لأنه يقتضي أنّ القراءة بغير نقل تقليدا للخط فمن قاله فقدوهم، وقيل إنها ضمير المصدر أي اقتد الاقتداء، وهو أقرب لأنّ إجراء الوصف مجرى الوقف ضعيف حتى قيل إنه مخصوص بالضرورة، والمراد بقوله أشبعها أنه كسرها ووصلها بياء وهو قراءة كما في الدرّ المصون، وابن عامر كسرها من غير إشباع وهو الذي تسميه القراء اختلاساً. قوله: (جعلا من جهتكم) هذا القيد معلوم من قوله أسألكم لأن المسؤول منه يطلب شيء من جهتة بالضرورة، وقيل إنه ماخوذ من قوله في موضمع آخر إن أجرى إلا على الله، قيل والآية تدلّ على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام وللفقها فيه كلام لشهرته غنيّ عن البيان، والجعل بضمّ الجيم وسكون العين كالجعالة، والجعيلة ما يجعل للإنسان بفعله وهو أعمّ من الأجر والثواب كما قاله الراغب. توله: (وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه) قيل فيه اعترإف بعدم اختصاص الهدي المذكور بالأصول فلا وجه لنفي التمسك به قبيله) قلت) استفادة الاقتداء بهم في الأصول من الأمر الأوّل لا ينافي أن يؤمر بالاقتداء بهم في أمر آخر كالتبليغ وتلك آية هذه آية أخرى، ولا ينافيه تقدم المتعلق للحصر ثمة لأنه نفي لاتباع طريقة غيرهم في شيء أخر، ألا ترى قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [سورة الأحقاف، الآية: 35] لا ينافي تلك الآية وقد أمر فيها بالاقتداء بهم أيضا وهو معلوم من تحقيق المسألة والنظر فيما قاله أهل الأصول فيها فلا حاجة إلى ما قيل مخالفته لتخصيص الهدي بالأصول ظاهرة وأمّ لزوم جواز التمسك المذكور فلا لأنّ محل الخلاف هو أنه مأمور بالتعبد بشرع من قبله فيما لم يوجد في القرآن ما يدل على وجوبه أو حرمته أو إباحته فإذا وجد ذلك لا يكون محل الخلاف كيف وكثير من أحكام القرآن في الكتب المتقدمة، وقوله: إلا تذكيراً جعله نفس التذكير مبالغة، وذكرى مصدر كما مرّ ولا حاجة لتأويله بمذكر والمراد بالغرض غرض التبليغ والقرآن، ويصح تفسيره بالأجر أيضاً. قوله: (وما قدروا الله حتى قدره) فسره هنا بما عرفوه حق معرفته وفي الزمر بما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه لأنه في الأصل معرفة المقدار بالسبر ثم إستعمل في معرفة الشيء على أتمّ
الوجوه حتى صار حقيقة فيه كما قالوا رحم الله من عرف قدره أي نفسه وحقيقته ومعرفة الله لما لم تكن إلا بصفاته فسر في كل محل بما يليق به فهنا لما كان في حق المشركين والكفار ناسب العظمة فدّكر في كل مقام ما يليق به، ولهذا فسر أيضا بما وصفوه حق وصفه لما عرفت. قوله: (في الرحمة والأنعام على العباد (لما جعل قولهم ما أنزل الله على بشر من شيء سبباً لأنهم ما عرفوه حق معرفته فإمّا أن يكو! اعدم المعرفة في صفة أالمطف أو في صفة القهر فإن كان في اللطف فالسبب إنكار النبوّة لأنها من أجل رحمته بالعباد، وان كان في القهر فالسبب الجسارة على ذلك الإنكار والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله حين أنكروا الخ. قوله: (والقائلون هم اليهود الني) اختلفوا في القائلين ما أنزل الله على بشر من شيء فذهب الجمهور إلى أنهم اليهود، واستدل عليه بقراءة الخطاب في قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} [سورة الأنعام، الآية: 191 وتقرير الاستدلال أنّ قوله قل من أنزل الخ جواب لأولئك القائلين والتاء في تجعلونه خطاب لهم ولا شك في أنّ الجاعلين التوراة قراطي! هم اليهود فيكون القائلون تلك المقالة هم اليهود، فإن قلت اليهود يقولون التوراة كتاب الله أنزله على موسى صلى الله عليه وسلم، فكيف يقولون ما أنزل الله على بشر من شيء أجيب بأنّ مرادهم الطعن في رسالته صلى الله عليه وسلم مبالغة في ذلك الإنكار فقيل لهم على سبيل الإلزام قد أنزل الله التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم فلم لا يجوز إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فكأنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه في صورة الممتنعات حتى بالغوا في إنكاره فألزموا بتجويزه

الصفحة 92