كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

ثم وصف كتاب موسى صلى الله عليه وسلم قصداً إلى تجهيلهم وتوبيخهم بصفات ثلاث أحدها أنه نور وهدى للناس، وثانيها أنهم حرّفوه وتصرّفوا فيه بابداء بعض واخفاء كثير كصفته غ! يرو وآية الرجم، وثالثها إنهم علموا في ذلك الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا ولا آباؤهم مما كانوا يختلفون فيه، وقراءة الغيبة على هذا التفات تبعيدا لهم بسبب ارتكابهم القبيح عن ساحة الخطاب، ولذا خاطبهم حيث نسب إليهم الحسن في قوله وعلمتم، وهذا من عيون اللطائف في الالتفات ويؤيد هذا الوجه ما روي في سبب النزول فقوله مبالغة الخ إشارة إلى أنهم عمموا الإنكار مع اعترافهم بالتوراة لذلك، وقوليما نقض كلامهم أي ردّه بإلزامهم كما عرفت وقراءة الجمهور بالجرّ عطف على نقض فإنها تدل على أن الخطاب لليهود، وقراءة الياء التفات نكتته ما ذكرنا مع مناسبته للغيبة في قالوا وقدروا.
قوله: (بدليل الخ) هو دليل على كون الخطاب لليهود لكونهم الذين صدو منهم ذلك أو
دليلى للمبالغة لأنهم لا ينكرون نزول التوراة فهو كما إذا قيل فلان يعرف الفقه فقلت منكراً لذلك هو لا يعرف شيئاً أصلا مع أنه لا بد لمعرفته لشيء مّا، وإنما ألزموا بالتوراة لاعترافهم
بها فكلامهم مبالغة على طريق الكناية أو أنه كان لذهول من الغضب والتهوّر كما روي عن ابن الصيف. قوله: (وقراءة الجمهور) بالجر قيل الذين يجعلون التوراة كذلك هم أليهود لا قريش، وأمّ على قراءة الياء التحتية فيكون التفاتا جعلوا غيبا لثناعة ارتكاب ذلك الفعل وليس اعتراضاً بأنّ قراءة الياء لا تخرجه عن الاستدلال لأنّ ذلك الفعل، إنما صدر منهم وأنّ المصنف رحمه الله أيضا قصد التعريض بالاعتراض على تخصيص الزمخشريّ الاستدلال بقراءة الخطاب كما قيل فإنّ مراد العلامة إنّ قراءة الخطاب، أظهر في ذلك لدلالتها بالمعنى والصيغة. قوله: (وتضمن (وفي نسخة وتضمين وهو معطوف على نقض، وهو دليل آخر لأنه لو كان جوابا لكفار قريش لم يكن ما ذكر من التوبيخ في موقعه لأنهم لا يوبخون بفعل غيرهم فهو دليل على أنه جواب، وخطاب لهم فيكون القول الأوّل منهم، ومن لم يتفطن لهذا قال إنه عطف على قراءة الجمهور لا على إنه دليل آخر أوله مدخل فيه وان أوهمه ظاهر العبارة، وكيف يعطف على الدليل ما ليس بدليل، وفي نسخة تضمن على المضيّ فلا يكون من الدليل ويكون كقوله في الكشاف وأدرج تحت الإلزام توبيخهم انتهى، وتوبيخهم مفعول تضمن وذمهم بصيغة المصدر معطوف عليه والمراد بالحمل الحفظ من غير عمل كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [سورة الجمعة، الآية: 5] الآية. قوله: (روي) هذا الحديث) 1 (أخرجه ابن جرير والطبرانيّ عن سعيد بن جبير، والصيف بالصاد المهملة كضد الشتاء، والحبر بكسر أوّله وفتحه العالم الفصيح وليس حينئذ من إسناد ما صدر من البعض، إلى الكل إذا أريد به إنكار بعثته صلى الله عليه وسلم مبالغة ويكون منه إن أريد ظاهره، وليس إسناده إليهم لأنهم رضوا به لأنّ تمام الحديث يدلّ على خلافه كما سيأتي إذ لا يلزم ذلك في هذا الإسناد ولو سلم فجعله رئيسا لهم في حكم الرضا بما يقوله، ويفعله وحي! عذ فاللوم والتوبيخ لمالك حين جسر على مثله، وإن لم ينكر نزول التوراة في الحقيقة أو جعل عدم العمل والرضا بما فيها بمنزلة إنكارها، قيل وهذا الوجه لا يلائم لومهم وإلزامهم بإنزال التوراة على موسى عت! هـ لا سيما بعد أن قال هذا القائل، إنما صدر هذا عني من الغضب ثم إنّ النحرير جعل قوله روي الخ جواباً مستقلاً حيث قال إنّ
هذا القول صدر مبالغة في إنكار إنزال القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم أو غضباً وذهولاً عن حقيقة الكلام كما أشار إليه بقوله وروي، الخ لكن الوجه هو الأوّل ولذا رتب عليه بحث الإلزام والتوبيخ حين عيروه انتهى. فلذا عطف في الكشاف بالواو، والعلامة في شرحه جعله مؤيداً للجواب الأوّل، ولم بجعله جوابا مستقلا وكان المصنف رحمه الله تعالى جنح إليه فترك العطف فلا يرد عليه ما قيل الظاهر أن يقول وروي بالواو لأنه بدونه يوهم كونه بيانا لكون القائلين هم اليهود لا وجها آخر، وليس كذلك لعدم دلالة هذه الرواية على أنّ الغرضى من هذا القول نفي إنزال القرآن، فتأمّل وقوله أنشدك الله قسم من نثده بمعنى سأله، وبغض الله للحبر السمين لأنه يدلّ على الحمق

الصفحة 93