كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

والجهل ولأنه من كثرة التنعم باكل والشرب في أكثر ولذا قيل ما أفلح سمين قط، وهو أغلبي، وتتمة الحديث: " فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود " فضحك القوم فغضب، ثم التفت إلى عمر رضي الله عنه فقال ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له قومه ما هذا الذي بلغنا عنك قال: إنه أغضبني فنزعوه أي عزلوه عن كونه رئيساً عليهم وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. قوله: (وقيل هم المشركون الخ) وعليه قراءة الياء التحتية ظاهرة لقولهم: {لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 57 ا] ولقولهم: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} إلا أنّ قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} لا يلائمه لأنه ليس من فعل المشركين فلذا جعل من الانتقال عن خطابهم إلى خطاب اليهود به تعريضاً بهم بأنّ إنكارهم إنزال الله من جنس فعل هؤلاء بالتوراة في البطلان وعدم الإسناد إلى برهان، وعلى قراءة الخطاب فهو التفات من خطاب قوم إلى خطاب قوم آخرين وهو التفات عند الأدباء لكن الالتفات في القول المختار أبلغ وأحسن، وقيل: إنهم لما سمعوا كلام اليهود ورضموا به خوطبوا بما يخاطبون به وهو بعيد. قوله: (على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) والخطاب لليهود كما صرحوا به واليه يشير قول المصنف رحمه الله زيادة على ما في التوراة وقوله: (وقيل الخطاب الخ) فإن قيل إنه من جملة مقول قل من أنزل، وليس أجنبيا بينه وبين قل الله فأفي داع لتعيين إنه خطاب لليهود أو لقريش قيل هو لا يدخل معنى في حيز من أنزل الكتاب الخ إذ لا دخل له في الجواب، ولدّا قالوا إنه في موقع الحال أو عطف على مقول قل على إنه مقول آخر بالاستقلال وعلى تقدير كون الخطاب لقريش فهو خطاب لمن آمن منهم إذ التعليم إنما هو لهم لا للكفرة ولم يتعرّضوا لما فيه من القراءتين على الالتفات، ولا شبهة أن في قوله ما لم تعلموا إشارة إلى أنهم أهل علم بالكتاب فلذا لم يلتفتوا إلى كونه خطابا لقريش تنزيلاً لعلمهم الحاصل بالتعليم منزلة العدم لعدم العمل بموجبه توبيخا لهم كما قيل، وضعف كونه خطاباً لمؤمني قريش لعدم
اقتضاء السياق والسباق له، وعلى هذا هو اعتراض للامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأتباعه لهدايتهم للمجادلة بالتي هي أحسن كما في الكشف والذي اقتضى التخصيص أنّ التعليم فاعله إمّا الإحبار أو النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأوّل الخطاب لليهود، وعلى الثاني للمؤمنين، وما قيل الظاهر أن يقال هم قريش حتى يندرح فيهم من آمن منهم ويكون أوّل الكلام خطاباً لبعضهم وآخره خطابا لبعضهم وهم مؤمنوهم وإذا كان الخطاب مع اليهود وخطاب تجعلونه لهم، فلا يظهر لخطاب من آمن من قريش بهذا الخطاب وجه إلا أن يقال الناس عامّ فيدخل فيهم قريش وعلمتم معطوف على تجعلونه والخطاب فيه للناس باعتبار اليهود، وفي علمتم لهم باعتبار مؤمني قريش تكلف لا حاجة إليه. قوله: (أي أنزله الخ (يعني هو إمّا فاعل فعل مقدر أو مبتدأ خبره جملة مقدرة، واختلف في الأرجح منهما فقيل تقدير الفعل ليطابق السؤال ويقل التقدير، لأنّ ما بعد أداة الاستفهام في من أنزل فعل، وقيل: الأرجح تقدير الله أنزله وهو المطابق لمن أنزل بتقدير الله أنزله أم غيره مع إفادته للتقوّى وقد مرّ الكلام فيه، وله تفصيل في كتب العربية والمعاني وقوله أمره بأن يجيب عنهم إشارة إلى نكتة تلقين السائل الجواب، وعدم نقل جوابهم إشارة إلى أنهم ينكرون الحق مكابرة منهم وقد مرّ تفصيله. قوله: (في أباطيلهم) قد مر أنّ الخوض هو المتكلم في الشيء وأنه مخصوص بالباطل في المشهور، وإليه أشار المصنف رحمه الله وقوله: (فلا عليك) أصله، فلا بأس عليك واسم لا يحذف كثيراً، وقد سمع في هذا بخصوصه، ووجوه الإعراب فيه ظا+ص. وكونه حالاً من ضمير خوضهم لأنه مصدر مضاف لفاعله، وقوله: (أو من هم الثاني) وهو معطوف على هم الأوّل إشارة إلى أنه لا يصح حينئذ جعل الظرف متصلا بيلعبون على الحالية أو اللغوية لأنه يكون معمولاً له متأخراً عنه رتبة ومعنى مع أنه متقدم عليه رتبة أيضا لأنّ العامل في الحال عامل في صاحبها فيكون فيه دور وفساد في المعنى، وفي قوله والظرف متصل بالأوّل إيجاز لأنه أراد بالكلام الأوّل فيشمل كونه لغواً أو حالاً من هم ولذا لم يقل بهم الأوّل، ومن لم يتنبه له قال لا أرى وجها لعدم ذكره جواز كون الظرف حالاً من مفعول ذرهم مع أن المتبادر من عبارته. قوله: (مبارك كثير الفائدة والنفع) لاشتماله على منافع الدارين وعلوم

الصفحة 94