كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 4)

الأوّلين والآخرين، قال الإمام: قد جرت سنة الله بأنّ الباحث عن القرآن والمتمسك به يحصل له عز الدنيا وقد شوهد كذلك في كل عصر، وقوله
يعني التوراة خصها لأنها أعظم كتاب نزل قبله، ولأنّ الخطاب مع اليهود أو الكتب التي قبله فهو أعمّ شامل لها ولغيرها ومعنى كونها بين يديه أنها متقدّمة عليه لأنّ كل ما كان بين اليدين فهو كذلك. قوله: (عطف على ما دل عليه مبارك الخ) في الكشاف معطوف على ما دلّ عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار، وقال النحرير: لا حاجة إلى هذا التكلف لجواز أن يكون عطفاً على صريح الوصف أي كتاب مبارك وكائن للإنذار، ومثل هذا أعني عطف الظرف على المفرد في باب الخبر والصفة كثير وقيل الداعي إلى هذا التكلف أنه رأى الصفات السابقة عراة عن حرف العطف ليتلاءم أطراف الكلام ولا ينفك النظام، فلما جيء به مقترناً بالعطف اقتض حسن التوجيه أن لا يحمل على الوصف بل على العطف على محذوف وله غير نظير في القرآن سيما في هذه السورة كما مرّ، وليس بشيء وإن ارتضاه بعضهم لأنه يقتضي أنّ الصفات إذا تعدّدت ولم يعطف أوّلها يمتنع العطف في آخرها أو يقبح، وليس كذلك بل الواقع المصرّح به خلافه كقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم، الآية: 5] فعطف قوله وأبكارا مع ترك العطف في الصفات السابقة لكنه لنكتة يمكن اعتبار ما يضاهيها هنا، مع أنّ ما ذكره لازم على الوجه الثاني وهو قوله أو علة لمحذوف الخ لأنّ جملة وأنزلناه لتنذر معطوفة على أنزلنا الواقع صفة فالظاهر أنّ الحامل على هذا أنّ اللفظ والمعنى يقتضيه أمّا المعنى فلأنّ الإنذار علة لإنزاله كما قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 19] ولو عطف لكان على أوّل الصفات على القول الأصح ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجارّ والمجرور على الجملة الفعلية لأنه نظير هذا رجل أقام عندي وليخدمني ولا يخفى قبحه، ومنه يعلم الحامل اللفظي، وليس تقديم الجارّ فيه للحصر لأنه فهم من الجملة السابقة علة أخرى ككثرة البركة بل للاهتمام لأنّ الإنذار مقتضى المقام أو الحصر إضافيّ، ويصح أن يقدّر لتبشر ولتنذر. قوله: (وإنما سميت الخ) وجه الأوّل أنهم يجتمعون عندها كتجمع الأولاد عند الأمّ المشفقة، ووجه قوله أعظم القرى شأنا أنّ غيرها كالتبع لها كما يتبع الفرع الأصل ووجه قوله لأنّ الأرض! الخ، يعني أنها أخرجت من تحتها كما يخرج الأولاد من تحت الأمّ وأيضاً فالناس يرجعون إليها كما ترجع الأولاد إلى الأمّ، واليه أشار الزمخشريّ في شعر له رويناه في ديوانه من قوله:
أنا جار بيت الله مكة مركزي ومضرب أوتادي ومعقد أطنابي
فمن يلق في بعض القريات رحله فأمّ القرى ملقى رحالي ومنتابي
واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله قبلة أهل القرى ومحجهم، ومنتابي بمعنى مرجعي
نوية بعد نوبة وإنما ذكرناه لأنّ شراحه لم يقفوا عليه وعلى المراد منه والقراءة بالياء التحتية على الإسناد المجازي لأنه منذر به. قوله: (أهل المشرق والمنرب) أوّله لعموم بعثته لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سورة سبأ، الآية: 28] واللفظ متحمل له وردّا على من تمسك بها لأنه مرسل للعرب خاصة ولا متمسك فيها لما سمعت على أنه خصهم لأنهم أحق بإنذاره كقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة العراء، الآية: 214] ولذا نزل كتاب كل رسول بلسان قومه مع أنه استدلال لإرساله للعرب وليس فيه حجة على نفي غيره. قوله: (والضمير يحتملهما) أي النبيّ والكتاب على البدل والصلاة المراد بها مطلق الطاعة مجازاً، أو اكتفى ببعضها لما ذكر وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في الثاني، وعلم الإيمان بمعنى علامته ولذا أطلق الإيمان عليها مجازا كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] أي صلاتكم. قوله: (ومن أظلم الخ) استفهام إنكاري معناه النفي والمراد أنه أظلم من جميع المخلوقات كما مرّ ومسيلمة بكسر اللام لأنّ ما بعد ياء التصغير يلزم كسره، والعامّة تغلط فتفتحها، وهو من بني حنيفة أهل اليمامة اذعى النبوّة في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه والأسود العنسي، كك كاهنا باليمن من بني عنس بعين مهملة مفتوحة ونون ساكنة وسين مهملة

الصفحة 95