كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وإذا كان كذلك فنحن نذر هؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا من أهل مكة في طغيانهم يعمهون، ثم نقطع دابرهم، وقيل هذه
الآية متصلة بقوله إنّ الذين لا يرجون لقاءنا دالة على استحقاقهم العذاب وأنه تعالى إنما يمهلهم استدراجا وأتى بالناس بدل ضميرهم تفظيعاً للأمر ثم قيل فنذر الذين لا يرجون لقاءنا مصرحاً باسمهم، وذكر المؤمنين إنما وقع في البين تتميماً ومقابلة فليس بأجنبيّ، ولا حاجة إلى جعله جواب شرط مقدر، وأمّ جعل لو بمعنى أن وتفريع ما بعده عليه فركيك إذا تأملت وان ظن أنه وجه وجيه. قوله: (دعانا لإزالتة مخلصاً فيه الخ الجنبه في محل نصب على الحال ولذا عطف عليه الحال الصريحة والتقدير دعانا مضطجعا لجنبه أو ملقي لجنبه واللام على ظاهرها، وقيل أنها بمعنى على ولا حاجة إليه وقد يعبر بعلى بدله وهي تفيد استعلاءه عليه، واللام تفيد اختصاصه به لاستقراره عليه، واختلف في ذي الحال فقيل الإنسان والعامل فيها مس، واستضعف بأمرين.
أحدهما: تأخرها عن محلها بغير داع.
والثاتي: أنّ المعنى على أنه يدعو كثيراً في كل أحواله لا على أنّ الضرّ يصيبه في كل أحواله كما صرّح به في غير هذه الاية.
وقيل إنه لا بأس به فإنه يلزم من مسه الضرّ في هذه الأحوال دعاؤه في تلك الأحوال
أيضا لأنّ القيد في الشرط قيد في الجواب فإذا قلت إذا جاء زيد فقيراً أحسنا إليه فالمعنى أحسنا إليه في حال فقر.، وقيل ذو الحال فاعل دعانا وهو ظاهر ثم هل المراد بالإنسان الجنس، والأحوال بالنسبة إلى المجموع أي منهم من يدعو على هذه الحال ومنهم من يدعو على تلك أو المراد شخص معين وأنّ هذه أحواله، والمراد الكافر ذهب إلى كل منها بعض المفسرين ولا حاجة إلى جعل إذا هنا للمضيّ، وصرفها عن أصلها كما قيل وقوله ملقى قدر له متعلقا خاصا ليظهر به معنى اللام. قوله: (وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال (أي سواء كان بالنسبة لشخص واحد أو للنوع كما مز، وأمّا شموله لأصناف المضار أي الأمراض فلأنها إمّا خفيفة لا تمنعه القيام أو متوسطة تمنعه القيام دون القعود أو شديدة تمنع منهما فهذه الأحوال مبينة لمضاره من السياق ولا خفاء في ذلك يحتاج إلى التوجيه كما توهم. قوله: (مضى على طريقتة واستمرّ على كفره) فيه إشارة إلى أنّ المراد بالإنسان نوع منه، وهو الكافر لا الجنس فالمرور على هذا مجاز عن الاستمرار على ما كان عليه، وعلى الثاني باق على حقيقته وهو كناية عن عدم الدعاء وعدى بعلى في الأوّل لتضمنه معنى المضيّ وعن في الثاني لتضمنه معنى المجاوزة. قوله:) كأنه لم يدعنا الخ (بالتشديد بيانا لأصله لقوله فخفف والتمثيل لتخفيفه
واضمار ضمير الشأن بدليل رفع ثدياه وهذا بناء على أنها إذا خففت لا يبطل عملها فيقدّر لها ما يقتضيه الكلام، وقال الفاضل اليمني: أنه يبطل عملها، وأصل البيت كان ثدييه فلما خفف بطل عملها فلا حاجة إلى تقدير. قوله:
(ونحومشرق اللون كان ثدياه حقان)
وفي بعض النسخ مشرق الصدر ولم يعز هذا البيت لقائله والنحر موضع القلادة من الصدر والأصل حقتان فحذفت تاؤه في التثنية على خلاف القياس كما قالوا، وهذا يدل على أنه لا يقال حق بمعنى حقة كما يستعمله الناس، وكان مخففة بطل عملها فالجملة بعدها لا محل لها فانظر من أي أنواع الجمل هذه أو اسمها محذوف في محل رفع وضمبر ثدياه للنحر والثدي معروف، وقيل ليس البيت كالآية لأنها اعتبر فيها ضمير الشأن لأنّ حق هذه الحروف الدخول على المبتدأ والخبر، ولو بعد التخفيف فإنه لا يبطل إلا العمل وعلى هذا لا حاجة إلى ضمير الشأن في البيت والتمثيل به لمجرّد بطلان العمل وهذا مخالف لما صرّحوا به فإنّ ابن مالك رحمه الله تعالى صرّج في التسهيل بأنها عاملة بعد التخفيف دائما، وقال في المفصل يجوز إعمالها والغاؤها مطلقا فأوّله ابن يعيش بأنّ المراد بإلغائها عملها في ضمير الشأن وهو بعيد ومن ذهب إلى الأوّل قدر ضمير الشأن في البيت كما صرحوا به، وأمّا التفصيل الذي ذكر. فلم نره لغيره، وبطلان عملها يخرجها عن مقتضاها على القول به وفي شرح الشواهد لابن هشام رحمه الله أنّ هذا البيت أورده سيبويه رحمه الله تعالى هكذا:
ووجه مشرق النحر كان ثدياه حقان
وعليه فالضمير للوجه أو للنحر وهو بتقدير مضاف أي ثديا صاحبه أو الإضافة لأدنى ملابسة، وقد روي أوّله وصدر، وأصل كان كأنه والضمير للوجه أو الصدر أو للشأن

الصفحة 10