كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

والجملة الاسمية خبره فلا يتعين تفدير ضمير الشأن كما قالوه هنا وروي كان ثدييه على أعمالها في اسم مذكور فحقان الخبر، وقوله إلى كشف ضر الخ إشارة إلى تقدير مضاف لأنّ المدعو إليه كشفه لا هو، وقيل إلى بمعنى اللام فلا تقدير فيه.
قوله: (مثل ذلك التزيين الخ) تفسير معنى لا إشارة إلى أنّ الكاف اسمية، والإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى شيء آخر مشبه به، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] والتزيين مرّ تحقيقه وتحقيق فاعله في سورة الأنعام. قوله:) حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى الخ) جعلها ظرفاً بمعنى حين لا
شرطية بتقدير جواب، وهو أهلكناهم بقرينة ما قبله لعدم الحاجة إليه. قوله: (أو عطف على ظلموا) وكذا قوله: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} وجوّز الزمخشريّ كونه اعتراضا بين الفعل ومصدره التشبيهي، وقال النحرير لأنّ معنى ظلموا وما بعده إحداث التكذيب، ومعنى هذا الإصرار عليه بحيث لا فائدة في إمهالهم، وحاصل المعنى أن السبب في إمهالهم هذان الأمران، وهذا ظاهر على تقدير العطف، وأمّا على تقدير الاعتراض فلأنه مفيد لتقرير ما تخلل هو بينه، وهو إفادة السببية وهذا دفع لما توهم من أنه لا يصلح سببا لإهلاكهم، والعطف يقتضيه والضمير في كانوا عائد على القرون وجوّز مقاتل رحمه الله أن يكون ضمير أهل مكة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى ما كنتم لتؤمنوا وكذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الجزاء نجزي وقرئ يجزي بياء الغيبة التفاتا من التكلم في أهلكنا إليها. قوله: (وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم الخ) قيل عليه أنّ علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس وقال بعض فضلاء عصرنا كون العلم علة لكفرهم وعدم إيمانهم باطل لا يشتبه على مؤمن فضلا عن عالم فاضل لأنّ كون علم العالم الديان علة للكفر، والعصيان مقالة أهل الزيغ والطغيان وحاشى مثل المصنف رحمه الله أن يقع فيه لكن ظاهر عطف قوله وعلمه الخ على قوله لفساد استعدادهم يوهم ذلك فيجب أن يؤوّل كلامه، ويصرف عن ظاهره بأن يجعل المراد موتهم على الكفر المعلوم منه تعالى أو يجعل العلم علة للحكم بأنهم يموتون على الكفر، ويكون حاصل المعنى، ولقد أهلكنا القرون السابقة لما كذبوا وعلمت أنهم لا يؤمنون وان أهلكناهم فتكون العلة هي المعلوم أعني عدم إيمانهم فيما سيأتي ولكن إنما علم ذلك لكون علم الله تعالى محيطا بالمستقبل فتوسيط العلم لإثبات المعلوم لا لإفادة علية العلم فافهم، وقال آخر من فضلاء العصر أقول معنى كون العلم تابعاً للمعلوم أنّ علمه تعالى في الأزل بالمعلوم المعين الحادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصيته العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية، وأئا وجود الماهية وفعليتها فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزليّ التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق، وتوجد فيما لا يزال على هذه الخصوصية فنفس موتهم على الكفر، وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ، ووقوعه تابع له فخذ هذا التحقيق ينفعك في مواضع شتى وهذا مما لا شبهة فيه وهو مذهب أهل السنة رحمهم الله تعالى وقد صرّج به النحرير في أوّل سورة الأنعام حيث قال: علم الله بأنهم يتركون الإيمان، ويؤثرون الكفر صار سببا لامتناعهم عن الإيمان باختيارهم عند المعتزلة، وأما عند أهل السنة فقد صار ذلك سبباً لعدم إيمانهم بحيث لا سبيل إليه أصلا وبهذا يندفع ما قال الإمام
الرازي إن هدّا يدل على أنّ سبق القضاء بالخسران، والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع عن الإيمان وذلك عين مذهب أهل السنة انتهى، وبهذا علصت ما في هذا المقام من الخبط، وقد زاد في الطنبور نغمة من قال في رده إنّ المصنف رحمه الله لم يرد الاستدلال بالعلم على المعلوم حتى يلزم جعل المعلوم تابعا للعلم، ويرد عليه أنّ الأمر بالعكس بل أراد به الإشارة إلى أن وقوع إهلاكه تعالى القرون مشروط بعلمه بموتهم على الكفر، وإن كان نفس الموت على الكفر سببا لنفس الإهلاك، وهو كناية عن نفس موتهم على الكفر لأنّ علم الله تعالى يتعلق بالأشياء على ما هي عليه، والنكتة في تلك الإشارة ما ذكرنا من الاشتراط فتدبر ما ذكرناه، ولا تقع في هوّة التقليد كما وقعوا واحدا بعد واحد، وقد سبق طرف من هذا فيما سبق، وكون اللام لتأكيد النفي مز تفسيره. قوله: (نجزي كل مجرم أو نجزيكم الخ) يعني المجرمين إمّا عامّ شامل لهم، ولمن قبلهم

الصفحة 11