كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

من القرون أو خاص بالمخاطبين وذكر القوم إشارة إلى أنه عذاب استئصال والتشبيه على الثاني على ظاهره أي يجزيكم مثل جزاء من قبلكم وعلى الأوّل هو عبارة عن عظم هذا الجزاء والتشبيه فيه على منوال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] ولم يلتفت إلى جعل القوم المجرمين عبارة عن القرون لأنه غير مناسب للسياق، والدلالة المذكورة من تخصيصهم بالوصف المذكور وهي ظاهرة. قوله: (استخلفناكم قيها بعد القرون) إشارة إلى أنه معطوف على قوله، ولقد أهلكنا لا على ما قبله، وقوله استخلاف من يختبر هو معنى قوله لننظر واشارة إلى أنه على طريق التمثيل لأنّ المعنى كاستخلاف إذ حقيقة الاختبار لا تصح في حقه تعالى. قوله: (أتعملون خيرا أو شرّا الخ (كذا وقع في الكشاف فقيل عليه القاعدة النحوية أنّ ما بعد كيف إن كان فعلاً كان حالاً نحو كيف ضرب وان كان اسما كان خبرا نحو كيف زيد، وهذا يخالفه فكأنه جعله مجازا عن أي شيء لدلالة المقام عليه، ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وفيه أن ما ذكره ليس على إطلاقه فإنها في كيف كنت خبر أيضا، وفي كيف ظننت زيداً مفعول به، والتحقيق أن معناها السؤال عن الأحواد والصفات لا عن الذوات، وغيرها فالسؤال هنا عن حالهم وأعمالهم ولا معنى للسؤال عن العمل إلا عن كونه حسنا أو قبيحا وخيرأ أو شزاً فليست مجازاً بل هي على حقيقتها فهي إفا مفعول به أو مفعول مطلق قال في المغني وعندي أنها تأتي مفعولاً مطلقأ وأنّ منه كيف فعل ربك إذ المعنى أفي فعل فعل ربك ولا يتجه فيه أن يكون حالاً من الفاعل انتهى. قوله:) وكيف معمول تعملون فانّ معنى الاستفهام يحجب الخ (أي ليس معمولاً لننظر لأن الاستفهام له الصدارة فيحجب أي يمنع ما قبله من العمل فيه ولذا لزم تقديمه على عامله هنا، وهو من التعليق على كل حال إقا
لأنّ النظر بمعنى العلم أو لكونه طريقا له فيعامل معاملة أفعال القلوب في جريان التعليق فيه، وفي قوله معمول تعملون إشارة مّا إلى ما تقدم، وفي قوله سابقا يختبر إشارة إلى أنّ المراد من النظر هنا الاختبار والمراد منه العلم لأنّ الاختبار طريقه فهو راجع إلى ما في الكشاف فإن قلت إذا كان بمعنى العلم يلزم أن لا يكون الله عالما بأعمالهم قبل استخلافهم قلت المراد أنه تعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بأعمالهم ليجازيهم بحسنها كقوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، [سورة هود، الآية: 7] ويمكن أن يقال المراد بالعلم المعلوم كما مرّ في نظائره فحينئذ يكون هذا مجازاً مرئياً على استعارة، وعلى الأوّل استعارة تمثيلية مرتبة على استعارة تصريحية تبعية وليس الذهاب إلى هذا من المصنف رحمه الله، والزمخشريّ لأنّ النظر تقليب الحدقة والله تعالى لا يتصف به فلا يلزم تبعيته له في نفي الرؤية كما هو مذهب بعض القدرية القائلين بأنه تعالى لا يرى، ولا يرى كما توهم ولا في جعل رؤية الله بمعنى علمه فإنّ الرؤية إدراك عين المرئيّ كما أنّ السمع إدراك المسموع، وهي حالة مغايرة للعلم فينا، وأمّا في الله تعالى فهل هي مغايرة لعلمه بالمرئيات، والمسموعات كما ذهب إليه الأشاعرة أو ليست مغايرة له بل رؤية الله، وسمعه عبارة عن علمه كما ذهب إليه المعتزلة كما ذهب إليه بعض شرّاح الكشاف بل لأن المعنى يقتضيه فإذا قلت أكرمتك لأرى ما ثصنع فالمعنى لأختبرك، وأعلم ما صنعك فأجازيك عليه، ومن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى على أنه حمل البصر على الانتظار، والتربص! الذي هو أحد معانيه وقال إنّ معمول تعملون ضمير كيف لا هو نفسه فقد خبط وتعسف لعدم تدبر كلام المصنف رحمه الله ولم يعرف أنّ كيف لا يصح أن يرجع إليها ضمير كما صرّج به السيرافيّ في شرح الكتاب، ولولا خوف الملل لذكرت كلامه برمته، وكشفت لك الغطاء عما فيه من المفاسد فكن على بصيرة من ربك. قوله: (وفائدته الدلالة) أي لم يقل لننظر عملكم، وعدل عنه إلى ما ذكر لهذه النكتة وهي أنّ النظر إلى كيفية الأعمال لا إليها نفسها، وهما بالنظر إلى معناه الأصليئ فإن المجاز مشعر به، وملوح إليه في الجملة فتدبر، وقوله يحسن الفعل تارة، ويقبح كالخمر يشرب للهو ولإساغة الغصة عند عدم غيرها. قوله: (يعني المشركين الخ) هذا بيان للواقع، ولأنّ من لا يرجو اللقاء وينكر البعث فهو مشرك، وقوله: (بكتاب آخر) إشارة إلى أنّ المراد بالقرآن معناه اللغوفي، وقوله: (أو ما نكرهه (أو فيه لمنع الخلو. قوله: (أو بدّله

الصفحة 12