كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

في البحر هو الله إذ هو المحدث لتلك الحركات في السفينة بالريح، ولا دخل للعبد فيه بل في مقدماته وأما سير البز فمن أفعال العبد الاختيارية، وتسيير الله فيه إعطاء الآلات والأدوات فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولذا فسره المصنف رحمه الله بالحمل عليه بأن أحوجه للمعاش، والحركة ومكنه منها فهو معنى مجازقي شامل لهما، وأمّا ادعاء اتحاد السير فيهما والاستدلال به على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله فتكلف وقال ابن عطية رحمه الله ركوب البحر للجهاد والحج جائز، وكذا ركوبه لضرورة المعاس، ولغيره وعند هيجان الريح مكروه.
تنبيه: في بعض التفاسير حكى الفخر خلافا في راكب السفينة هل هو متحرّك بحركتها أو ساكن وظاهر الآية الأول لتسويته بين البرّ والبحر وسير البرّ يعمّ الركوب والمشي، ثم نقل عن السلف المنع فيه لغير ضرورة، وعند هيجان ريحه.
) قلت) الأوجه أن لا خلاف فإنه ساكن بالذات سائر بالواسطة، وقرأ ابن عامر ينشركم بالنون، والشين المعجمة، والراء المهملة من النشر ضد الطيّ أي يفرّقكم ويبثكم، وقال الحسن ينشركم من النشر بمعنى الإحياء، وقرأ بعض الشاميين ينشركم بالتشديد للتكثير من النشر، وقرأ الباقون يسيركم من التسيير، والتضعيف فيه للتعدية تقول سار الرجل وسيرته، وقال الفارسي: إنّ سار متعد كسير لأنّ العرب تقول سرت الرجل وسيرته بمعنى كقول الهذلي:
فلاتجزعن من سنة أنت سرتها فأوّل راض سنة من يسيرها
ولم يرتضه النحاة، وأولوا البيت بما فصله المعرب. قوله: (في الفلك) مفرده وجمعه واحد والحركات فيه بينها تغاير اعتبارقي، وقوله بمن فيها إشارة إلى أنّ الخطاب الأوّل عامّ وهذا خاص بمن فيها وهو التفات للمبالغة في تقبيح حالهم كأنه أعرض! عن خطابهم وحكى لغيرهم سوء صنيعهم وباء بهم للتعدية وفي بريح ربها للسببية فلذا تعلق انحرفان بمتعلق واحد لاختلاف معناهما، ويجوز أن تكون الباء الثانية للحال أي جرين بهم ممتبسة بريح طيبة فيتعلق
بمحذوف كما في البحر، وقيل بريح متعلق بجرين بعد تعديته بالباء وقد تجعل الأولى للملابسة، وفرحوا عطف على جرين وهو عطف على كنتم، وقد تجعل حالاً وفسر طيبة بلين هبوبها يعني وموافقتها لهم بمقتضى المقام، وقوله: (والضمير للفلك) قدّمه لكونه أظهر، وان كان الثاني أقرب، وقوله بمعنى تلقتها تأويل له على الوجه الثاني وهو ظاهر. قوله: (ذات عصف شديدة الهبوب) أي هو من باب النسب كلابن وتامر وهو مما يستوي فيه المذكر والمؤنث كما صرحوا به فلذا لم يقل عاصفة مع أن الريح مؤنثة لا تذكر بدون تأويل، وقوله شديدة الهبوب تفسير لمعنى العاصف لأنه من العصف، وهو الكسر أو النبات المتكسر لأن الريح الشديدة تفعل به ذلك فكان كتامر من التمر، ومن لم يدر هذا قال لو حذف قوله ذات عصف كان أولى، وجعله من باب تامر لا وجه له لأنّ الريح تذكر وتؤنث فلذا لم يقل عاصفة أو لاختصاص العصوف به فهو كحاثض، وكيف يتأتى ما ذكره وتفسيره بشديدة الهبوب ينافيه، وقوله يجيء الموج منه تخصيص له لأنه ليس على ظاهره. قوله: (اهلكوا وسدّت عليهم مسالك الخلاص الخ) يشير إلى أنه استعارة تبعية شبه إتيان الموح من كل مكان الذي أشرف بهم على الهلاك، وسد عليهم مسالك الخلاص، والنجاة بإحاطة العدوّ، وأخذه بأطراف خصمه، وهذا أوفق بالنظم من قوله في الكشاف جعل إحاطة العدوّ بالحيّ مثلا في الهلاك، وليس هذا كقوله: {واللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 19] وهذا لا ينافي قوله تعالى وظنوا، وقيل إنه يريد أنّ الإحاطة استعارة لسد مسالك الخلاص تشبيها له بإحاطة العدوّ بإنسان ثم كني بتلك الاستعارة عن الهلاك لكونه من روادفها ولوازمها فقوله أهلكوا بيان للمعنى المراد بطريق الكناية. وقوله: (وسدّت الخ) بيان للمعنى الأصلي له، وأنه استعارة لا حقيقة وجعل كناية عن نفس الهلاك لا القرب منه كما قيل لأنه مقطوع لا مظنون، وإنما المظنون هو الهلاك نفسه ومن جعله كناية عن القرب منه جعل الظن بمعنى اليقين، ولك أن تجعله كناية عن الهلاك مع كون الظن بمعنى اليقين بناء على تحقق قوعه. في اعتقادهم، وفيه بحث. قوله: (من غير إشراك لتراجع الفطرة)

الصفحة 17