كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وقوله محذور هو الخبر المقدر، وقوله: (أو مفعول فعل الخ) أي مفعول به ليبغون مقدراً، وفي كلامه شيء لأنّ البغي له معان الطلب، وهو أصله ويتعدى بنفسه، والإتلاف والإفساد، ويتعدى بفي والظلم، ويتعدى بعلى كما ذكره العلامة الشارح فإذا كان بمعنى الطلب كيف يوصل بعلى، وأيضاً البغي المذكور بمعنى الإفساد فتنتفي المناسبة ويفوت الانتظام فتأمل، وفي جعل البغي عليهم إضارة إلى ما وقع في الحديث " أسرع الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشرّ عقاباً البغي واليمين الفاجرة " ورويءثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدينإ. وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغي.
(وقد قلت) في عقده:
إن يعد ذو بغي عليك فحله وأرقب زمانا لانتقام باغي
واحذرمن البغي الوخيم فلوبغى جب!! على جبل لدك الباغي
وكان المأمون رحمه الله تعالى يتمثل بهذين البيتين لأخيه رحمه الله:
يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة فأربع فخير فعال المرء أعدله
فلوبغى جبل يوماعلى جبل لاندك مف أعاليه وأسفله
وعن محمد بن كعب رحمه الله ثلاث من كن فيه كن عليه البغي، والنكث والمكر، وقوله بالجزاء تقدم وجهه. قوله: (حالها العجيبة الخ) تفسير للمثل فإنه في الأصل ما يشبه مضربه بمورده، ويستعار للأمر العجيب المستغرب كما مرّ تحقيقه، وهذا تشبيه مركب شبه فيه هيئة اجتماعية من الحياة وسرعة انقضائها بأخرى من خضرة الزروع ونضارتها وانعدامها عقيبها بالأمر الإلهي، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة وقول الزمخشري أنه روعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا يبالي بأيّ أجزائه يلي الكاف فإنه ليس المقصود تشبيهه كالماء هنا ظاهر، وسيصزح به المصنف أيضاً، وقوله: {أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} استعارة وقعت في طرف المشبه به فالمشبه به مركب من أمور حقيقية وأمور مجازية كما قال الطيبي رحمه الله. قوله: (فاشتبك بسببه حتى خالط الخ) أي بسبب الماء كثر النبات حتى التف بعضه ببعض ومنهم من جعل الباء على أصلها وهو المصاحبة، والاختلاط بالماء نفسه فإنه كالغذاء للنبات فيجري فيه ويخالطه. قوله: (من الزروع والبقول) الذي يأكل الناس، والحشيش الذي يأكله الحيوان، وهو بيان للنبات. قوله: (وازيثت بأصناف النبات الخ) يعني أنّ فيه استعارة مكنية إذ شبهت الأرض! بالعروس وحذف المشبه به وأقيم المشبه مقامه وتخييلية وهي أخذها الزخرف، وقوله وازينت ترشيح للاستعارة وقيل الزخرف الذهب استعير للنضارة والمنظر السار وزين بكسر الزاي المعجمة، وفتح الياء جمع زينة. توله: (وازينت أصله تزينت) فأدغمت التاء في الزاي، وسقنت فاجتلب همزة وصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن بدليل أنه قرئ تزينت بأصله من غير
تنيير، وقوله وأزينت على أفعلت كأكرصت وكان قياسه أن يعل فتقلب ياؤه ألفاً فيقال أزانت لأنه المطرد في باب الأفعال المعتل العين لكنه ورد على خلافه كأغيلت المرأة بالغين المعجمة إذا سقت ولدها الغيل، وهو لبن الحامل، ويقال أغالت على القياس ومعنى الأفعال الصيرورة أي صارت ذات زينة كأحصد صار إلى الحصاد أو صيرت نفسها ذات زينة وقرأ أبو عثمان النهدي، وغير. أزيأنت بهمزة وصل بعدها زاي ساكنة، وياء مفتوحة، وهمزة مفتوحة ونون مشدّدة وتاء ئانيث وأصله ازيانت بوزن احمارّت بألف صريحة فكرهوا اجتماع ساكنين فقلبوا الألف همزة مفتوحة كما قرئ الضألين بالهمز.
وكقوله:
إذا ما الهوادي بالغبيط احمأزت
وقرأ عوف بن جميل ازيانت بألف من غير إبدال، وقرئ ازاينت أيضا فقول المصنف رحمه الله وازيانت بألف أو همزة. قوله: (ضرب رّرعها ما يجتاحه (أمر الله ما قدره، والمراد ما ذكره فهو حقيقة، ولا حاجة إلى جعله كناية عما ذكر ويجتاح بتقديم الجيم على الحاء بمعنى يهلك، وقوله شبيهاً بما حصد من أصله الظاهر أنه تشبيه لذكر الطرفين لأنّ المحذوف في قوّة المذكور شبه الزرع الهالك بما قطع، وحصد من أصله، والجامع بينهما الذهاب من محله فيهما، ويصح أن يكون استعارة مصزحة، وأصله جعلنا زرعها هالكا فشبه الهالك

الصفحة 19