كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

بالحصيد وأقيم اسم المشبه به مقامه، ولا ينافيه تقدير المضاف كما توهم لأنه لم يشبه الزرع بالحصد بل الهالك بالحصيد، وهذا أقرب مما ذهب إليه السكاكي من أ) ، فيه استعارة بالكناية إذ شبهت الأرض المزخرفة، والمزينة بالنبات الناضر المونق الذي ورد عليه ما يذبله، ويفنيه، وأثبت له الحصد تخييلاً ولا يخفى بعده فإن أردت تحقيقه فانظر شروح المفتاح، وقوله كأن لم يغن زرعها لو قال بدله نباتها كان أولى لكنه راعى مناسبة الحصيد، وقوله لم يلبث باللام، والباء الموحدة والثاء المثلثة أي لم يمكث، ويقيم وهو تفسير له لأنّ غني بالمكان معناه أقام، وسكن وعاس فيه، ومنه المغني للمنزل، ووقع في بعض النسخ ينبت من النبات والأولى أظهر وأولى، وقوله والمضاف محذوف في الموضعين، وبعد حذفه انقلب الضمير المجرور منصوباً في الأوّل، ومرفوعا مستتراً في الثاني بل في المواضمع لأن قادرون عليها بمعنى قادرون على زرعها أو حصدها نعم المبالغة مخصوصة بهما، ولذا خصهما ووجهها أنّ الأرض نفسها كأنها قلعت وكأنها لم تكن لتغيرها بتغير ما فيها، وقوله على الأصل أي بإرجاع الضمير مذكرآ باعتبار الزرع، ولذا قيل إنه يجوز عود الضمير على الزرع المفهوم من الكلام والسياق وقيل الضمير
للزخرف وقيل للحصيد ويجوز أن يجعل التجوّز في الإسناد. قوله:) فيما قبله وهو مثل في الوقت القريب الخ) أي فيما قبل أمرنا، وفي نسخة قبيله بالتصغير، وأمس يراد به اليوم الذي قبل يومك، ويراد به ما مضى من الزمان مطلقأ كقول زهير:
واعلم علم أليوم والأمس قبله
والأوّل مبني لتضمنه معنى الألف، واللام والثاني معرب، ويضاف وتدخله أل، وخص الوقت القريب بهذا لتعينه، وتعين الحادث فيه وتيقن زواله والا فكل ما طرأ عليه العدم كان كأن لم يكن. قوله:) والممثل به مضمون الحكاية الخ (قد مر بيان أنه تشبيه، وأنه محتو على استعارات، ولطائف من نكت البلاغة كما قرّرنا، والجوائح مع جائحة وهي الآفة وفي نسخة الطوائح، وهي جمع مطيحة على خلاف القياس من الإطاحة بمعنى الإذهاب، والإهلاك. قوله: (دار السلامة من التقضي الخ) دار السلام الجنة ووجه التسمية ما ذكر لأنّ السلام إما مصدر بمعنى السلامة فيكون معناه دارا فيها السلامة من الآفات ومن التقضي أي الانقضاء والزوال لخلودهم فيها أو السلام الله فالإضافة إليه لأنه لا ملك لغيره فيها ظاهراً وباطنا وللتشريف، وللتنبيه على أنّ من فيها سالم مما مر للنظر إلى معنى السلامة في أصله، ويدل على قصده تخصيصه بذلك دون غيره من الأسماء أو السلام بمعنى التسليم من قولهم سلام عليكم لأنه شعارهم فيها أو لتسليم الله والملائكة عليهم الصلاة والسلام عليهم تكريما لهم. قوله: (بالتوفيق (في شرح المواقف التوفيق عند الأشعرفي، وأكثر الأئمة خلق القدرة على الطاعة، وقال إمام الحرمين خلق الطاعة، والهداية عندهم خلق الاهتداء وهو الإيمان، فقوله بالتوفيق إن كان تفسيرا للهداية فالمعنى يوفقه لطريقها أي الجنة بالطاعة الشاملة للإيمان، وإن كان المراد مع التوفيق فظاهر، والتدزع لبس الدرع فإنّ الاتقاء عن المعاصي يحميه ويصون نفسه، وضمه إلى الإسلام لأن الطريق الموصل إلى الاستقامة إنما يكون بذلك، وفيه إشارة إلى أنّ الطريق هو الإسلام والعمل بمنزلة درع يصونه في سفره. قوله:) وفي تعميم الدعوة وتخصيصالهداية الخ (الآية تدل على ما ذكر وعلى أن الهداية غير الدعوة إلى الإيمان،
والطاعة والأمر مأخوذ من قوله يدعو لأن الدعاء يكو " ن بالأمر، والإرادة مأخوذة من قوله يشاء لأنّ المشيئة مساوية للإرادة على المشهور، وهو ردّ على المعتزلة لأنّ الأمر عندهم بمعنى الإرادة فلذا عمم الدعوة لجميع الخلق بدليل حذف مفعوله، وخص الهداية بالمشيئة لتقييدها بها فالكل مأمور، ولا يريد من الكل الاهتداء لأنّ ظاهر قوله يهدي من يشاء أنه يهدي من يشاء رشده، واهتداءه فلو شاء اهتداء الكل كان هادياً للكل، وليس كذلك فلزم المعتزلة شيئان أحدهما أنّ المراد بالهداية التوفيق والألطاف والأمر مغاير للألطاف والتوفيق وهو كذلك لأنّ الكافر مأمور وليس بموفق. الثاني أنّ من يشاء هو من علم أن اللطف ينفع فيه لأنّ مشيئته تابعة للحكمة فمن علم أنه لا ينفع فيه اللطف لم يوفقه، ولم يلطف به إذ التوفيق لمن علم الله

الصفحة 20