كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

أنه لا ينفعه عبث، والحكمة منافية للعبث فهو يهدي من ينفعه اللطف، وان أراد اهتداء الكل، وقوله المثوبة الحسنى توجيه لتأنيث الحسنى، والمراد بالإحسان العمل بفعل المأمور به، واجتناب المنهيات. قوله: (وما يزيد على المنوبة الخ) فالزيادة مصدر بمعنى الزائد مطلقاً، وفيما بعده تضعيف الحسنات والمثوبة الثواب، وفسر في الأصول بالمنفعة الخالصة الدائمة المقرونة بالتعظيم فلذا قال العلامة رحمه الله: إن قوله للذين أحسنوا الحسنى أيدل على حصول المنفعة، وقوله وزيادة يدل على التعظيم، وقوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة يدل على خلوصها، وقوله أصحاب الجنة هم فيها خالدون إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع. قوله: (وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء) هذا هو التفسير المأثور عن الصحابة كأبي بكر رضي الله عنه وأبي موسى وحذيفة وعبادة والحسن وعكرمة وعطاء ومقاتل والضحاك والسديّ رحمهم الله، وفي صحيح مسلم، ومسند أحمد، وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إنّ لكم عند الله موعدأ يريد أن ينجزكموه قالوا: ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة قال: فيكشف الحجاب فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه " زاد مسلم ثم
تلا للذبن أحسنوا الحسنى، وزبادة الآية، ولهذأ اعترض على المصنف رحمه الله بأنه تبع الزمخشريّ في تضعيف هذا القول، وقوله: (إنه حديث مرفوع) بالقاف أي مفتري، ولا ينبغي أن يصدر من مثله فإنه حديث متفق على صحته فحرّف، وأساء الأدب. قوله: (لا يغشاها الخ) أي المراد بنفيه إمّا ظاهره بان لا يعرض لهم كما يعرض لأهل النار أو المراد نفي ما يعرض لهم عند ذلك من سوء الحال وهذا أمدح، ولذا أشير في الأوّل إلى أنّ المقصود منه تذكير حال أهل النار فإن تذكيره لهم مسرة كما أنّ تذكير حال هؤلاء لأولئك عليهم حسرة، وقوله ولا انقرا ض لنعيمها هو مما يلزم خلودهم فيها. قوله: (عطف على قوله {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} الخ) يعني الذين معطوف على الذين المجرور الذي هو مع جاره خبر (وجزاء سيئة (معطوف على الحسنى الذي هو مبتدأ، وهذه هي المسألة المشهورة عند النحاة بعطف معمولي عاملين، وفيها مذاهب المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه، والجواز مطلقا وهو قول الفراء والتفصيل بين أن يتقدّم المجرور نحو في الدار زيد، والحجرة عمرو فيجوز أولاً فيمتنع والمانعون يخرّجونه على إضمار الجارّ ويجعلونه مطرداً فيه كقوله:
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
وهو مراد المصنف رحمه الله، ولشهرة المسألة اعتمد على تفصحيلها المعلوم، فلا يرد
عليه ما قيل إنّ ظاهره يدل على الاختلاف في جواز هذا المثال نفسه، وليس كذلك فإنه مسموع عن العرب، وإنما الاختلاف في تش- يجه على العطف أو تقدير الجاز. قوله: (أو الذين مبتدأ والخبر جزاء سيئة الخ) وقدر المضاف ليصح الحمل إذ الخبر مفرد مغاير له، وعليه فالباء في بمثلها متعلقة بجزاء، ويجوز أن يكون جزأء سيئة بمثلها جملة من مبتدأ وخبر هي خبر المبتدأ كما سيصرح به المصنف رحمه الله، فلا حاجة إلى تقدير المضاف لكن العائد محذوف أي جزاء سيئة منهم بمثلها على حدّ السمن منوان بدرهم أي منه، وقد جوّز فيه أن يكون لهم هو الخبر بقرينة للذين أحسنوا أي لهم جزاء سيئة بمثلها فلا حاجة إلى تقدير عائد، وقوله أن يجازي إشارة إلى أنه مصدر المبنيّ للمفعول لا اسم للعوض كما في الوجه الأوّل، والمقدر مصدر أيضا أو بمعنى العوض! أو بمعنى أثره وقوله: (بسيئة مثلها) قدر له موصوفاً مخصوصاً بقرينة المقام، ومماثلتها لها في القدر والجنس وقوله: (لا يزاد عليها) إشارة إلى أن المثلية كناية عن عدم الزيادة بمقتضى العدل وأما النقص فكرم، وهذأ يؤخذ من مقابلته بالزيادة وقيل الذين مبتدأ خبره مالهم من الله من عاصم، وما بينهما اعتراض!. قوله: (وفيه تنببه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف) تبع فيه الزمخشري، وقد علصت أنه مخالف للمأثور والقول المنصوص في
تفسيرها، والمراد بالفضل أن يفضل على العمل، ويزيد عليه كما مرّ. قوله: (أو كأنما أغشيت الخ) عطف على جزاء سيئة

الصفحة 21